وفد البرهان التفاوضي يعود إلى جدة مثقلا بهزائم ميدانية
أعلن الجيش السوداني أنه قبِل دعوة لاستكمال مفاوضات غير مباشرة مع قوات الدعم السريع في مدينة جدة السعودية، معتبرا أن “استئناف التفاوض لا يعني توقف معركة الكرامة الوطنية”، وهو ما يعتبر بادرة سلبية باتجاه التوصل إلى نهاية الصراع الدامي الذي دخل شهره السابع في السودان، لكنه أيضا يبدو أكثر قناعة بعد أكثر من 6 اشهر من اندلاع النزاع المسلح بأنه لن يستطيع حسم المعارك لصالحه.
ويأتي الاعلان عن قبول دعوة لاستكمال المفاوضات بدفع من خسائر ميدانية تكبدها الجيش السوداني الذي انحسر نفوذه بشدة بعد مغادرة قائده رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان ونائبه، العاصمة الخرطوم إلى بورتسودان وتلقيه ضربات موجعة في مناطق أخرى، بينما تشير بياناته عن استمرار ما يسميها معركة الكرامة إلى المكابرة حفاظا على معنويات الجيش الذي شهد انشقاقات واسعة وانضمام مئات الجنود والقيادات من رتب مختلفة إلى قوات الدعم السريع.
وقال في بيان إن “القضاء على المتمردين ودحرهم هو هدف الشعب السوداني والقوات المسلحة وهي ملتزمة بهذا الهدف لوضع البلاد في مسارها الصحيح”، بينما علق متابعون للشأن السوداني متسائلين عن جدوى دخول الجيش في محادثات يفترض أن تكون للتهدئة، بينما يعلن أنه يستمر في القتال دون توقف، واعتبروا أن هذا البيان بمثابة إعلان مسبق عن إجهاض الاتفاق المفترض التوصل إليه.
ومنذ 15 أبريل سقط أكثر من 9000 قتيل، وفق حصيلة للأمم المتحدة، كما ترك أكثر من 5.6 ملايين سوداني منازلهم ونزحوا داخل بلادهم أو لجأوا إلى دول مجاورة. ولم تنجح حتى الآن كل محاولات الوساطة، بما فيها الأميركية – السعودية، في إحراز أي تقدم على طريق وقف الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وأقصى ما توصلت إليه هو فترات وقف إطلاق نار قصيرة.
ودعت قوات الدعم السريع مرارا إلى مبادرات للتوصل إلى حل للأزمة. وطرحت في أغسطس الماضي، رؤية للحل الشامل ومستقبل الدولة السودانية، وأكدت أنها تهدف لإنهاء الحرب المندلعة بينها وبين الجيش منذ ووضع أسس جديدة للدولة.
وأكدت في بيانات سابقة أنها ظلت طوال فترة الحرب تناشد شرفاء القوات المسلحة بالوقوف إلى جانب مطالب الشعب السوداني في الحرية والسلام والعدالة وبناء جيش قومي مهني واحد يخدم أجندة السودانيين ويحمي أرضهم وبلادهم، بديلاً عن الجيش الذي ينفذ أجندة الفلول والانقلابيين ويقتل طموح الشعب في بناء دولة العدالة والمساواة.
وبدأ منبر جدة التفاوضي بوساطة مشتركة بين السعودية والولايات المتحدة في أوائل مايو الماضي لكن الجيش السوداني علق التفاوض وسحب وفده بعد أقل من شهر بذريعة “عدم خروج الدعم السريع من الأحياء السكنية والأعيان المدنية”.
ووصل وفدا المفاوضين من الطرفين إلى جدة دون تغيير في تشكيلتهما تمهيدا لاستئناف التفاوض الخميس. وأكد نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار خلال افتتاح اجتماع تشاوري بجوبا يضم الحركات الموقعة على اتفاق السلام وحكومة جنوب السودان الثلاثاء، حرص الحكومة على إنهاء الحرب الحالية وفق خارطة الطريق التي طرحتها في وقت سابق.
وأضاف أن خارطة الطريق قائمة على أربع مراحل تشمل، مرحلة فصل القوات والعملية الانسانية ومرحلة معالجة قضية الحرب بدمج قوات الدعم السريع وإنشاء جيش واحد ومرحلة العملية السياسية التي تقوم على الاتفاق على الدستور وكيف يحكم السودان.
وكان لقاء قد جمع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في العاصمة السعودية الرياض الأسبوع الماضي، بحث قضية الحرب في السودان، وتداعياتها على المنطقة وضرورة استئناف المفاوضات بين الحكومة السودانية وقوات الدعم السريع، وسبل وقف التصعيد وتخفيف المعاناة عن السودانيين.
واستبق طرفا الحرب في السودان جولة المفاوضات الجديدة في جدة بتصعيد ميداني لافت عبر تكثيف القصف، حيث دارت معركة شرسة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع الثلاثاء في مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور. وذكر شهود أن قوات الدعم فرضت سيطرتها على مقر السلاح الطبي والمستودعات في نيالا جنوب غربي قيادة الجيش.
وكانت قوات الدعم السريع قد اتهمت الجيش السوداني الاثنين “بالقصف بشكل متعمد بالطائرات مواقع أسرى الجيش لديها”، ما أدى إلى مقتل وجرح العشرات. وقالت نائبة ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في الخرطوم كليمنتاين سلامي إن السودان يواجه واحدة من أسرع الأزمات نمواً في العالم. ودعت سلامي التي تشغل أيضاً منصب منسقة الشؤون الإنسانية في السودان، في بيان طرفي الصراع في السودان إلى وقف القتال.
وأضافت “في هذا اليوم وبالنيابة عن أسرة الأمم المتحدة في السودان، أدعو جميع الأطراف إلى وقف القتال والالتزام بوقف دائم للأعمال العدائية، فضلاً عن التقيد بالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان لحماية المدنيين وتمكين الوصول الإنساني الآمن إلى المحتاجين”.
وتتواصل اجتماعات الجبهة المدنية لإيقاف الحرب واستعادة الديمقراطية، التي انطلقت الأحد وتستمر حتى الخميس في أديس أبابا، بمشاركة رئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك، ورئيس حزب الأمة القومي فضل الله برمة ناصر، وعدد من قيادات قوى الحرية والتغيير والحركات المسلحة والقوى المدنية والمهنية ولجان المقاومة.
وتوقع جعفر حسن، المتحدث باسم قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي، نجاح الجهات المجتمعة في العاصمة الإثيوبية في تشكيل اللجنة التي ستدعو للمؤتمر العام للجبهة المدنية.
وقال في مقابلة مع وكالة أنباء العالم العربي، إن الجهات المختلفة ستعمل على “إيجاد تصورات مبدئية للتأسيس الدستوري”، مضيفاً “لا نريد أن نستبق الأحداث، لكن هذه قضايا شبه متفق عليها”.
واندلع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على نحو مفاجئ في منتصف أبريل نيسان بعد أسابيع من التوتر بين الطرفين، بينما كانت الأطراف العسكرية والمدنية تضع اللمسات النهائية على عملية سياسية مدعومة دولياً.