أحداث

موعد في كمبالا للبرهان وحميدتي


أي لقاء من شأنه أن ينهي الحرب لا بد أن يمر بصدام ضروري لفك الارتباط بين الجيش وبين من يصرون على استمرار المواجهات من عناصر النظام القديم

في وقت تدخل الحرب السودانية بين الجيش وقوات “الدعم السريع” شهرها العاشر، بدا واضحاً اليوم، أكثر من أي وقت مضى، مَن هو الطرف الذي يتعنت في الوصول إلى الحل السلمي لإنهاء معاناة السودانيين جراء هذه الحرب العبثية، كما بات راجحاً أنه تبين الطرف السياسي الذي يقف وراء استمرار الحرب، وهو أمر متى ما أدركناه بوضوح، سنعرف من خلاله طبيعة التخطيط الذي يقف وراء هدف استمرار الحرب والثمن السياسي الفادح الذي يخشاه أحد طرفي الحرب (الجيش السوداني) نظير تعرضه لضغط أجندة حزبية سياسية أصبحت اليوم من الوضوح بمكان لكل الأطراف الإقليمية والدولية، في دلالتها على تورط عناصر النظام القديم للإسلاميين، نحو سياق خطير قد يتجه بالحرب إلى مآلات كارثية لا محالة.

لقد تبين اليوم، سواء لجهة التصريحات المتناقضة للبرهان ومجلس السيادة من ناحية، وبيانات وزارة خارجية حكومة الجيش في بورتسودان، من ناحية أخرى، أن طبيعة التناقض في الرسائل السياسية لكل منهما تعكس موقفاً حكومياً مزدوجاً يقوم على توزيع الأدوار، ويراد له، باستمرار، أن يضمر ما لا يمكن التصريح به دبلوماسياً، في كونه تخطيطاً لطريق حرب أهلية شاملة، فيما تلك الرسائل السياسية المتناقضة لحكومة الجيش، بلغت حداً من الانكشاف والهشاشة والتناقض والعزلة بحيث يدركها كل مراقب لمسار الحرب، فضلاً عن المجتمع الإقليمي والدولي الذي يبذل جهوداً حثيثة عبر “إيغاد” و “منبر جدة” و”الأمم المتحدة” و”الاتحاد الأفريقي” لوقف الحرب.

فما جدوى أن يتعنت الجيش في تنفيذ بعض بنود “منبر جدة”، بعد أن يوافق عليها (كموافقته على بند القبض على قادة النظام السابق الفارين من السجن ثم التراجع عن ذلك، بعد أن طلب أكثر من مدة لتنفيذ ما وعد به) الأمر الذي تسبب في تعثر مفاوضات جدة، ليطلب قائد الجيش، بعد ذلك، رسمياً من منظمة “إيغاد” في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عقد قمة طارئة من أجل الوصول إلى حل ينهي الحرب، (وكان قائد الجيش ذاته قد رفض في يونيو (حزيران) الماضي مبادرة لجنة “إيغاد” الرباعية التي اقترحت عليه، آنذاك، اللقاء مع قائد “الدعم السريعمحمد حمدان دقلو، حميدتي) ليعود البرهان، مرة أخرى، ويوافق على المقترح ذاته (أي اللقاء مع حميدتي من دون شروط مسبقة) في قمة “إيغاد” الطارئة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وها هو مجلس السيادة، فيما أكد في 14 يناير (كانون الثاني) الجاري على أهمية تنفيذ مخرجات قمة “الهيئة الحكومية للتنمية” (إيغاد)، التي عُقدت في جيبوتي الشهر الماضي، بلقاء رئيس مجلس السيادة، قائد الجيش، الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، وقائد قوات “الدعم السريعمحمد حمدان دقلو (حميدتي)، لتعلن وزارة الخارجية السودانية في أثره يوم أمس الثلاثاء عن “وقف الانخراط وتجميد التعامل مع إيغاد بشأن ملف الأزمة الراهنة في السودان؟”.
والسؤال الذي يفرض نفسه، هو ما إذا كان اقتراح لقاء البرهانحميدتي من بنات أفكار منظمة “إيغاد” فيما تجمد الحكومة السودانية التعامل مع “إيغاد”، فكيف يمكن عقد اللقاء المحتمل بين الرجلين؟ ومن هي الجهة الإقليمية أو الدولية التي سترعى ذلك اللقاء بينهما بمعزل عن المنظمة صاحبة الفكرة أي “إيغاد”؟

نخشى القول إننا سنتفاجأ في كل منعطف من منعطفات هذه الحرب بين الجيش و”الدعم السريع”، بما يؤشر على الهدف السياسي، الذي تبين اليوم أنه وراء الدافع الأصلي الذي تم به تبرير خوض هذه الحرب، عبر دعوات معلنة من رموز النظام القديم أي قطع الطريق على “الاتفاق الإطاري” ومحاولة الجيش، عبر تلك الرموز، استعادة حكم الإسلاميين بالقوة، بعد أن تباين موقفا كل من الجيش و”الدعم السريع” من ذلك الاتفاق، لكن المفارقة اليوم تكمن في أنه بعد مضي تسعة أشهر على الحرب ورجحان ظاهر الميزان العسكري لمصلحة قوات “الدعم السريع” سيبدو واضحاً جداً طبيعة الخيار العدمي الذي يصر عليه الجيش والمتحالفون معه من عناصر النظام القديم، ذلك أن عدم الالتزام بمنطق أسباب النصر والهزيمة في قواعد الحرب يعبر عن موقف عدمي للجيش في حربه مع “الدعم السريع”، وسيكشف، من ناحية أخرى، إلى أي مدى أصبحت الرهانات الوطنية والمسؤولية الأخلاقية للجيش محل تساؤل فيما هو ينحو إلى هذا الخيار الخطير.

وفيما كتبت المتحدثة باسم “تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية” (تقدم) رشا عوض على حسابها الشخصي في “فيسبوك” بأنه “رسمياً تلقت (تقدم) موافقة من البرهان على لقائها، وجار التشاور حول تفاصيل ترتيب اللقاء وزمانه”، سيكون السؤال أيضاً، إذا كان قد تم إدراج وفد تقدم من طرف “إيغاد” للمشاركة في الجهود المبذولة لإنهاء الحرب، لا سيما بعد دعوة رئيس منظمة “إيغاد” الحالي الرئيس الجيبوتي إسماعيل قيلي، رئيس تنسيقية “تقدم” عبدالله حمدوك لزيارة جيبوتي للمشاركة في منبر “إيغاد”، فكيف يمكننا فهم ثمرة لقاء قائد الجيش بحمدوك بمعزل عن مظلة “إيغاد”؟

ربما من غير المستبعد أن تكون هناك محاولات لقائد الجيش من خلال مندوب الأمم المتحدة للسودان رمطان لعمامرة (الذي التقى البرهان في بورتسودان قبل أيام) للبحث عن منبر آخر، كالأمم المتحدة للقاء مع حميدتي، بعد اللقاء المرتقب للبرهان مع حمدوك. لكن أي لقاء من شأنه أن ينهي الحرب بين البرهان وحميدتي سواء عبر منبر “إيغاد”، أو الأمم المتحدة، لا بد أن يمر بصدام ضروري لفك الارتباط بين الجيش وبين من يصرون على استمرار الحرب من عناصر النظام القديم، لا سيما في ظل بعض الأصوات الإعلامية التي تحث الجيش على لقاء تنسيقية “تقدم” ولو كان ذلك على حساب المتحالفين معه من أجل السلطة، كما كتب الصحافي السوداني في قناة “العربية” أحمد القرشي إدريس.
الأيام القليلة المقبلة ستكشف تطورات كثيرة، سواءً لناحية لقاء البرهان مع حميدتي، أو اللقاء المرتقب للبرهان مع حمدوك عبر أي مظلة، إقليمية كانت أم دولية.

وقد تطرأ، في الوقت نفسه، تطورات دراماتيكية لموقف قائد الجيش قبل موعد انعقاد القمة الطارئة لـ”إيغاد” بالعاصمة اليوغندية كمبالا الخميس المقبل، وهي القمة التي صرح قائد “الدعم السريع” بأنه سيشارك فيها للبحث عن سبل إنهاء الحرب. وبحسب حميدتي في بيانه فإن هناك ما يشي بأن ثمة طرفاً آخر سيتفاوض معه، وربما كان في ذلك إشارة مضمرة إلى البرهان الذي قد يذهب في أي لحظة لحضور قمة “إيغاد” الطارئة في كمبالا الخميس المقبل.
كل الاحتمالات باتت مفتوحةً أمام الرسائل السياسية المتناقضة التي تأتي من حكومة الجيش في بورتسودان، لتعبر، تارةً عن موقف مجلس السيادة، وتارةً أخرى عن موقف وزارة الخارجية، لكنها أيضاً احتمالات يضيق فيها الوقت أمام الخيارات المتذبذبة للبرهان، فيما الواقع العسكري على الأرض يعكس موازين أخرى.

لقد نوهت “إيغاد” بالموقف الأخير لقائد الجيش بموافقته الرسمية على لقاء رئيس تنسيقية “تقدم” ووصفته بأنه “تطور مشجع ويسهم في تمهيد الطريق لسلام دائم”. وهو في تقديرنا موقف يعكس حرص “إيغاد”، ومن ورائها المجتمع الإقليمي والدولي على وقف الحرب في السودان.
لقد آن الأوان ليحسم البرهان أمره أمام خياري الاستمرار في الحرب، أو اتفاق السلام، وإذا كان غير مدرك لأثر الوقت الرهيب الذي يحصد أرواح السودانيين مع استمرار هذه الحرب التي وصفتها الأمم المتحدة بأنها أكبر معاناة في العالم، فليته يطلع على التقرير الخطير الذي نشرته “مجموعة الأزمات الدولية”، قبل يومين، حول اتجاهات الحرب الكارثية وتعقيداتها التي تقترب نحو حرب أهلية طاحنة ما لم تتدخل شخصيات دولية كبرى من وزن وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن في الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي والإقليمي من أجل وقف هذه الحرب العبثية.

وفي تقديرنا لا تخلو زيارة مدير وكالة الاستخبارات الأميركية ويليام بيرنز إلى كينيا قبل يومين في توقيت يتزامن مع انعقاد القمة الطارئة لـ”إيغاد” في العاصمة اليوغندية كمبالا من مؤشر لاحتمال وجود شخصية دولية كبيرة في كواليس القمة الاستثنائية المقبلة لـ”إيغاد” الخميس 18 يناير الجاري، وعليه ربما نشهد تطوراً ما قد يسفر عن تحديد موعد للقاء بين البرهان وحميدتي في كمبالا. أو في إحدى عواصم دول جوار السودان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى