مناطق الجيش تحتضن الامتحانات.. أزمة جديدة تثير الانقسام في السودان
اتسعت دائرة الرفض لامتحانات الشهادة الثانوية في السودان، بعد أن أصرت السلطات على إقامتها في الثامن والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، حكرًا على مناطق سيطرة الجيش.
وكانت وزارة التربية والتعليم أعلنت عن انعقاد امتحانات الشهادة الثانوية حصريًا في مناطق سيطرة الجيش السوداني، ما يعني أن طلاب دارفور وأجزاء من كردفان والخرطوم والجزيرة سيجدون أنفسهم خارج العملية التعليمية.
ولقيت هذه الإجراءات رفضًا واسعًا من قبل قطاعات مختلفة، حيث اعتبرتها قرارات سياسية أنها ستقود إلى تقسيم السودان.
نداء أخير
من جهتها، أطلقت لجنة المعلمين السودانيين، ما أسمته بـ”النداء الأخير” للسلطات السودانية لأجل تدارك أزمة امتحانات الشهادة الثانوية، التي خلفت انقسامًا واضحًا وسط السودانيين بين مؤيد ورافض، وفق بيان.
وقالت اللجنة إن استمرار العملية التعليمية وما يصاحبها من عمليات، يجب أن يكون وفقًا لشروط ومطلوبات يجب ضرورة توفرها، وإلا فالنتيجة ستكون كارثية، وفق البيان.
وأشار إلى أن اللجنة سبق وطالبت بوقف إطلاق النار أثناء فترة الامتحانات، والالتزام بمبدأ العدالة والشمول، مبينا أن التعليم يجب أن يكون خافضًا لصوت البنادق ومدخلا للسلام والتعايش.
وأكدت لجنة المعلمين أن أكثر من 60% من الطلاب سيحرمون من الجلوس إلى الامتحانات إذا تم عقدها في ظل هذه الأوضاع.
وقالت اللجنة إن الولايات التي لا تشملها الامتحانات المرتقبة تشمل، ولايات دارفور الخمس، وولايات كردفان الثلاث، إضافة إلى ولاية الخرطوم عدا محلية كرري، وولاية الجزيرة عدا منطقتي “القرشي والمناقل”، كما لا تشمل أجزاء من ولايات “نهر النيل وسنار النيل الأبيض والنيل الأزرق”.
يشار إلى أن هنالك 4 ولايات فقط بالسودان تخضع للسيطرة الكاملة للجيش السوداني، هي “الشمالية والبحر الأحمر وكسلا والقضارف”، يمكن أن تقام الامتحانات في جميع محلياتها.
وطالبت لجنة المعلمين بإعلان وقف إطلاق النار أثناء فترة الامتحانات، وفتح المسارات الآمنة لوصول الطلاب والطالبات والمعلمين لمراكز الامتحانات، وضمان وصول أوراق الامتحانات من وإلى مراكز التصحيح الكنترول والتجميع.
كما طالبت اللجنة بضمان جلوس كل الطلاب الذين يرغبون في الجلوس لهذه الامتحانات في مناطق يتم الاتفاق حولها.
وناشدت لجنة المعلمين منظمات الأمم المتحدة المهتمة بالتعليم بالعمل على إنقاذ هذه المطالب بالتواصل مع جميع الأطراف.
ودعت قيادة الجيش السوداني إلى وضع مصلحة الطلاب السودانيين نصب أعينهم، والبعد عن خطابات التحشيد التي يتبناها عناصر النظام السابق الذين يسيطرون على حكومة الأمر الواقع، خاصة في قطاع التعليم، ويعملون وفقا لمصالح تنظيمهم، ومصالحهم الخاصة.
وأشارت اللجنة إلى أنها تتلقى آلاف الرسائل من الطلاب وأولياء أمورهم، يتساءلون عن مصيرهم في ظل هذه الأوضاع.
إجراءات عاجلة
وأعربت مجموعة “محامو الطوارئ” الحقوقية، عن استنكارها الشديد للقرار القاضي بتنظيم امتحانات الشهادة السودانية، مطالبة باتخاذ إجراءات عاجلة لحماية حقوق الطلاب وضمان وصولهم إلى التعليم.
وقالت في بيان إن قرار إقامة الامتحانات يترتب عليه حرمان الطلاب في مناطق واسعة متأثرة بالحرب، وآخرين في معسكرات النازحين واللاجئين، من حقهم في التعليم والجلوس للامتحانات.
وقال البيان إن “هذا القرار يمثل انتهاكًا واضحًا للحقوق الأساسية المنصوص عليها في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وعلى رأسها الحق في التعليم والمساواة”.
وأضاف أن “المادة 13 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تُؤكد على حق كل فرد في التعليم، كما تنص المادة 28 من اتفاقية حقوق الطفل على ضرورة توفير التعليم للجميع دون تمييز”.
وأشار إلى أن إجراء الامتحانات يأتي في وقت تعاني فيه معظم مدن وقرى السودان من العنف المستمر والتهجير القسري، الأمر الذي يعكس تمييزًا ضد الطلاب في هذه المناطق ويزيد من تفاقم معاناتهم الإنسانية.
وأكد أن الطلاب في مناطق النزاع يواجهون ظروفًا إنسانية مأساوية، تشمل القصف والتهجير القسري وانعدام الخدمات الأساسية، كما أن النازحين في المعسكرات داخل السودان وخارجه يعيشون في أوضاع معيشية قاسية تحول دون قدرتهم على الوصول إلى مراكز الامتحانات.
وأوضح أن الواقع الماثل يُعمّق الفجوة في فرص التعليم ويمنع العديد من الطلاب من الجلوس للامتحانات، مما يكرّس حالة انعدام العدالة التعليمية.
وأضاف أنه “لم تُتخذ أي تدابير تضمن تكافؤ الفرص التعليمية لجميع الطلاب في كافة أنحاء السودان، كما لم تُقدَّم حلول بديلة تُمكّن الطلاب في المناطق المتأثرة من إجراء الامتحانات دون تعريضهم للخطر”.
وطالبت المجموعة الحقوقية باتخاذ إجراءات عاجلة لحماية حقوق الطلاب السودانيين وضمان وصولهم إلى التعليم، بما يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
كما دعت إلى اعتماد حلول تراعي الظروف الإنسانية الصعبة التي يواجهها الطلاب في مناطق النزاع ومعسكرات النزوح واللجوء، لتأمين حقهم في التعليم دون تمييز أو حرمان، وفق للبيان.
وكانت قوات الدعم السريع، أعلنت رفضها اجراء امتحانات الشهادة الثانوية وفق ما أعلنته سلطات الجيش.
واعتبرت الإجراءات المتخذة تأتي في سياق نهج التمييز السلبي وتشجيع الانقسام المجتمعي، مشيرة إلى أن “مجموعة بورتسودان” تستخدم التعليم كأداة لتنفيذ أجندتها السياسية.
وأكد البيان أن بدء امتحانات الشهادة الثانوية في مناطق محددة يعد سابقة في تاريخ السودان، ويُشبه سياسة المناطق المقفلة التي كانت قد فرضها الاستعمار.
وأضافت أن السلطات اختارت التلاعب بمصير مئات الآلاف من الطلاب السودانيين في مختلف المناطق، رغم التحذيرات من قبل الجهات التربوية المختصة.