مدينة الجنينة تحت الحصار والعزلة..
شهدت مدينة الجنينة بإقليم دارفور غربي السودان، على مدى أكثر من شهر، انتهاكات إنسانية بعدما تحولت الحرب فيها إلى عرقية، بين القبائل العربية وقبيلة المساليت.
جاء هذا، وسط عزلة المدينة عن العالم بسبب انقطاع الاتصالات والإنترنت في المنطقة.
وقتل الأربعاء، والي غرب دارفور خميس أبكر، داخل مدينة الجنينة، بعد اعتقاله بواسطة قوات الدعم السريع، حسب فيديوهات نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي 19 مايو الماضي، انقطعت خدمة الاتصالات والإنترنت عن مدينة الجنينة، بسبب القصف المدفعي، بينما استباحت الميليشيات المسلحة المدينة مخلفة ما يشبه الإبادة الجماعية، على نحو ما أفاد ناجون.
“إبادة جماعية”
بعد نحو شهرين من الحصار الخانق، استطاع محمد أحمد، الخروج من مدينة الجنينة والوصول سالمًا إلى دولة تشاد المجاورة برفقة بعض أفراد أسرته، تاركا وراءه مدينته تواجه خطر الموت بعيدًا عن أنظار العالم.
وقال أحمد، وهو اسم مستعار لمسؤول سياسي كبير، في ولاية غرب دارفور، طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، إن “ما حصل في الجنينة أقل من أن يوصف بأنه إبادة جماعية”، مؤكدًا تدمير أحياء سكنية بأكملها، مع صعوبة إمكانية إحصاء أعداد الضحايا.
وروى تفاصيل ما عايشه وشاهده في المدينة المنكوبة، منذ اندلاع الأحداث في أبريل الماضي، قبل تمكنه من الهروب.
وقال أحمد: “لا يمكن أن نحصي من قُتل في هذه الأحداث، لكن المرجح أن هنالك أكثر من 3 آلاف قتيل، رأيت الجثث ملقاة في الطرقات، كما تم نهب الأحياء الجنوبية للمدينة بأكملها، بجانب حرق المنازل، بما فيها منزلي”.
وأشار إلى أن الأحداث في الجنينة بدأت متزامنة مع اندلاعها في الخرطوم، حيث أغلقت الميليشيات القبلية الطرق المؤدية إلى المدينة ومحاصرتها، قبل الاعتداء على مؤسسات وسرقتها ونهبها ومن ثم حرقها.
وقال أحمد: “في يوم 13 مايو، اشتدت وتيرة القتال داخل الجنينة حيث تركز الهجوم على مربعات 2 و3 بحي الجبل، و10 و15 بحي المديرية، وكان الهجوم عنيفًا، حيث نهب وقتل كل من وجد بمنزله”.
ويمضي شاهد العيان في روايته قائلًا: “في يوم 7 يونيو، عاودت الميليشيات الهجوم على أحياء الثورة والزهور والنهضة والمجلس بالدوشكات والرشاشات”.
جثث في الشوارع
وأكد أحمد، مقتل قيادات أهلية وسياسية بارزة في مدينة الجنينة، بينهم عبدالرحمن محمد أحمد، أحد القيادات السياسية التاريخية، حيث شغل عضوية المجلس التشريعي الولائي، وهو والد معتمد الجنينة السابق، كما قتل أبوبكر يوسف زكريا، مدير ديوان الحسابات، وأبوبكر حسن تاج الدين، وطارق عبدالرحمن بحرالدين، شقيق سلطان دار مساليت.
وأشار إلى وجود مئات القتلى المدنيين، وآخرين يتبعون لحركات مسلحة، ظلت جثثهم ملقاة في الشوارع، بعدما تم منع أهالي الضحايا من أخذ جثامين ذويهم إلا بعد وساطات عديدة، حسب قوله.
وتابع: ” في يوم 10 يونيو، تواصل النهب خاصة في حي المجلس، وحُرقت منازلنا، وقُتِل اثنان من سكان الحي، لم نتمكن من دفنهما إلا في اليوم الثالث، أمام منزليهما”.
“وضع كارثي”
من جهتها قالت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان، الأربعاء، إن “مدينة الجنينة في وضع كارثي هو الأسوأ على الإطلاق، وقد تعذر تمامًا حصر الضحايا في المدينة، إذ إن جميع مستشفيات الجنينة خارج الخدمة والمدينة محاصرة والاتصالات منقطعة عن المدينة”.
وكثف ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي، الدعوات لإنقاذ مدينة الجنينة المنكوبة، والتي تتعرض لهجمات يومية من قبل ميليشيات مسلحة، وسط انعدام مقومات الحياة.
وكان الممثل الخاص للأمين العام للسودان ورئيس البعثة الأممية في السودان فولكر بيرتس، قال الثلاثاء، إن “القلق يساوره بشكل خاص إزاء الوضع في الجنينة، في أعقاب موجات العنف المختلفة منذ أواخر أبريل الماضي، بعدما اتخذت أبعادًا عرقية.
وأوضح في بيان، أن “الأمم المتحدة تواصل جمع تفاصيل إضافية بشأن التقارير التي تشير إلى أن هناك نمطًا ناشئًا من الهجمات واسعة النطاق التي تستهدف المدنيين على أساس هوياتهم العرقية، والتي يُزعم أنها ارتُكِبَت من قبل ميليشيات عربية وبعض الرجال المسلحين الذين يرتدون زي قوات الدعم السريع”.
وأضاف أن “هذه التقارير مقلقة للغاية، وإذا تم التحقق منها، فقد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية”.