عقوبات أمريكية تضرب اقتصاد السودان.. والبنك الدولي يتجه لإغلاق ملفه

عقوبات أمريكية على خلفية اتهامات باستخدام «الكيمياوي» تسد شرايين حكومة السودان وتنذر بإغلاق آخر منافذ النجاة في بلد تطوقه التحديات.
ومساء الخميس، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أنها توصلت إلى خلاصة مفادها أن الجيش السوداني استخدم أسلحة كيميائية في الحرب المتواصلة في هذا البلد.
وقالت الخارجية إنها تفرض عقوبات على خلفية استخدام هذه الأسلحة الكيميائية، موضحة أن هذا الأمر حصل العام الفائت.
-
خبراء: البرهان يسير على خطى البشير بعد تقارير استخدام الأسلحة الكيميائية
-
اتهامات خطيرة للجيش السوداني: الأسلحة الكيميائية ضمن انتهاكات حقوق الإنسان
وأشارت الوزارة إلى أنها أبلغت الكونغرس، في اليوم نفسه، بقرارها المتّصل باستخدام الأسلحة الكيميائية، لتفعيل عقوبات بعد 15 يوما.
وتشمل العقوبات قيودا على الصادرات الأمريكية والتمويل لحكومة السودان التي تتخذ من مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر مقرًا لها.
وخلال مؤتمر صحفي، قالت المتحدثة باسم الوزارة، تامي بروس: “قررت الولايات المتحدة أن الحكومة السودانية استخدمت أسلحة كيميائية عام 2024. ما يُعد انتهاكًا صارخًا لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية“.
-
اتهامات أميركية خطيرة.. هل استخدمت حكومة البرهان أسلحة كيماوية؟
-
من دارفور إلى الخرطوم.. سجل الانتهاكات تحت مجهر القضاء الدولي
عزلة تتجدد
في عام 2020، وخلال المرحلة الانتقالية بقيادة الحكومة المدنية برئاسة عبد الله حمدوك، رفعت واشنطن العقوبات الاقتصادية التي فُرضت على السودان لعقود. بسبب سياسات نظام عمر البشير الذي جاء إلى السلطة بانقلاب عسكري في 1989.
وارتبط نظام البشير بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وحروب أهلية طويلة. فضلًا عن دعمه لتنظيمات إرهابية مثل القاعدة، المسؤول عن تفجيري سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي الكينية ودار السلام التنزانية عام 1998.
-
كاميرات في مرمى النيران.. الصحافة في السودان تدفع ثمن الحقيقة
-
زمزم يواجه الانهيار.. نداءات استغاثة من قلب المأساة
ومكّن الانفتاح الاقتصادي في تلك الفترة السودان من إعادة الاندماج تدريجيًا في النظام المالي العالمي، حيث أعلن بنك السودان المركزي في يونيو/حزيران 2021 عن اجتياز 27 مصرفًا لاختبارات نظام رقم الحساب المصرفي الدولي (IBAN)، إضافة إلى اعتماد السودان ضمن شبكة “سويفت” العالمية. ما عزز الثقة الدولية بالمصارف السودانية.
ورقم الحساب المصرفي الدولي (IBAN) هو نظام ترقيم دولي قياسي للحسابات المصرفية. يهدف إلى تسهيل عمليات التحويلات المالية الدولية وتجنب الأخطاء المحتملة.
-
شرارة جديدة في دارفور.. مواجهة مباشرة بين الجيش والقوة المشتركة
-
من الهدنة إلى الاشتباك.. دارفور تدفع ثمن الخلاف بين الجيش والقوة المشتركة
لكن هذه المكتسبات بدأت تتآكل تدريجيًا بعد انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين أول 2021 الذي نفذته المؤسسة العسكرية ضد الحكومة المدنية. ما أعاد الشكوك الدولية بشأن استقرار السودان والتزامه بالتحول الديمقراطي، رغم بقاء اسمه شكليًا ضمن النظام المالي العالمي.
من الانقلاب إلى الحرب.. تحالفات مظلمة وصعود الإخوان
تحوّل الصراع بين الجيش وقوات “الدعم السريع“ من تنافس على مسار الانتقال المدني إلى مواجهة دموية اندلعت رسميًا في 15 أبريل/ نيسان 2023.
ومع انخراط الإسلاميين الموالين للجيش، تصاعدت حدة القتال واتّسعت رقعة الانتهاكات ضد المدنيين.
-
عشرات النازحين في قبضة الجيش السوداني بمعسكر أبو شوك
-
تصدعات داخل الجيش السوداني.. هل اقترب انهيار التحالف العسكري؟
ومع عودة رموز النظام السابق إلى الواجهة. بات من الواضح أن السودان يتجه نحو عسكرة الحياة السياسية، ضمن تحالفات غير معلنة مع الإخوان أي التيار الإسلامي المعروف محليًا بـ”الكيزان”. بكل ما يحمله ذلك من أعباء أيديولوجية وارتباطات مقلقة بجماعات متطرفة.
وجاء استخدام الأسلحة الكيميائية في هذا السياق المأزوم .ليشكّل انتهاكًا فاضحًا لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، والتي يُعد السودان طرفًا موقعًا عليها.
انهيار وشيك للنظام المالي
يمثّل القرار الأمريكي ضربة قاصمة للنظام المالي والاقتصادي السوداني. إذ يعيد البلاد فعليًا إلى نقطة الصفر، ويُمهّد لعزلة مصرفية كاملة كالتي عاشها السودان في العقود الماضية.
-
بين نار الجنرالات ودموع الأبرياء.. دارفور تدفع الثمن من جديد
-
ما وراء الكواليس.. هل بدأ الجيش السوداني بتفكيك ميليشياته؟
ووفق خبير اقتصادي دولي، فإن وقف خطوط الائتمان لا يقتصر على حرمان السودان من التمويل المباشر، بل يعطّل تمامًا قدرته على التفاعل مع النظام المالي العالمي.
وتعد خطوط الائتمان إحدى أدوات بناء الثقة المصرفية بين الدول، وغيابها يضعف فعالية نظام IBAN رغم استمراره شكليًا. ويزيد من احتمالات عزوف البنوك العالمية عن التعامل مع المصارف السودانية خوفًا من العقوبات.
وتوقع الخبير مفضلا عدم الكشف عن اسمه، انكماشًا اقتصاديًا وشيكًا نتيجة شح العملات الأجنبية، وارتفاع كلفة الاستيراد، وتراجع الاستثمارات. مؤكدًا أن القرار يقوّض جهود إعادة الإعمار في ظل استمرار الحرب واتساع رقعة الدمار.
-
الفاشر تستغيث.. المدنيون بين نيران الجيش ودرع الميليشيات
-
ضباط الإسلاميين في قلب الجيش السوداني.. اعتراف يقلب المعادلة
وختم بالقول: “كل هذا يعني تآكل الثقة الدولية في القيادة العسكرية بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، الذي يسعى إلى تشكيل حكومة مدنية صورية، في حين يحتفظ بالسلطة عبر تحالف عسكري/ إسلامي غير معلن”.
البنك الدولي يغلق أبوابه أمام السودان
تزامنت العقوبات الأمريكية مع قرار مرتقب من البنك الدولي بوقف جميع أشكال التعاون مع السودان. بما في ذلك تمويل البرامج المجتمعية والإنسانية.
ويأتي هذا القرار ضمن خطة البنك الدولي لإعادة هيكلة عملياته عبر تصنيف الدول إلى ثلاث مجموعات.
-
الحرب المنسية: كيف تحاول الحكومة السودانية التغطية على جرائم مروعة بحق المدنيين
-
هل تصبح الفاشر فصلاً جديدًا في المأساة السودانية؟
وقد تم إدراج السودان ضمن المجموعة الثالثة التي يمتنع البنك عن العمل معها نهائيًا. ما يفاقم العزلة الاقتصادية ويغلق أحد آخر المنافذ أمام أي دعم دولي ممكن.
وليست العقوبات الأمريكية مجرد إجراء سياسي أو دبلوماسي. بل تحمل رسالة صريحة وهي أن العودة إلى ممارسات النظام السابق لن تكون مسموحة ولن تمر بلا ثمن.
ومن الناحية الاقتصادية، تُعد هذه العقوبات ضربة مؤلمة لمسار الانفتاح .الذي بدأته الحكومة الانتقالية، ومؤشرًا مقلقًا على إعادة السودان إلى مربع الحصار والانهيار.
وتأتي هذه التطورات في لحظة حرجة، حيث يحتاج السودان إلى الاستقرار أكثر من أي وقت مضى، لاستعادة الثقة الدولية وبناء ما دمرته الحرب المستعرة.
-
السودان تحت سحابة قاتلة.. غازات الموت تضرب شنقل طوباي
-
الجيش السوداني ارتكب اعدامات ميدانية مروعة في الخرطوم
-
الأمم المتحدة تحذر من تدهور الوضع في السودان بعد الهجمات الإثنية
-
سلاح الكيماوي في السودان.. جريمة حرب تُرتكب وسط صمت عالمي
-
الجيش السوداني تحت المجهر: انتهاكات ممنهجة ضد المدنيين وشبهات استخدام السلاح الكيماوي
-
تقرير ميداني من الدعم السريع: ممارسات الجيش تجاوزت القتال إلى الإبادة
