تحقيقات

حميدتي: تحولات جديدة في الواقع السوداني


 يتشكل واقع عسكري وسياسي جديد في السودان في ظل الانتصارات الميدانية التي تحققها قوات الدعم السريع والتي تدفع القوى المترددة أو تلك التي أظهرت ميلا لمساندة الجيش في البداية إلى إعادة النظر في حساباتها. ونجحت قوات الدعم السريع خلال الأيام القليلة الماضية في توسيع نطاق توسعها على أكثر من جبهة، وتمكّنت من السيطرة على مقرات للجيش في أقاليم دارفور وكردفان والخرطوم، وهي تستعد حاليا للتوجه إلى الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور.

وكشفت مصادر سودانية أن موقف الحركات المسلحة متذبذب، فبعضها انحاز إلى قوات الدعم السريع علنا، وبعضها لا زال مترددا في دعمه لها صراحة، وبعض الحركات التي بدت قريبة من الجيش تحاول أن تقفز بعيدا عنه، بعد أن اكتشفت أنها في سلة واحدة مع فلول نظام عمر البشير، ويمكن أن تفقد ما حققته من مكاسب بعد سقوط نظامه، وقد تجد نفسها أمام مشاهد مكررة إذا قدر للفلول تحقيق انتصار عسكري، وهو أمر مستبعد بحكم الواقع الميداني الحالي.

وأكدت المصادر ذاتها أن بعض الحركات المسلحة المنحدرة من إقليم دارفور، والتي وقفت على الحياد منذ اندلاع الحرب، تواجه مأزقا سياسيا إذا تمكنت قوات الدعم السريع من فرض سيطرتها الكاملة على الإقليم بعد انتصاراتها العسكرية، لأنها يمكن أن تتعرض لضغوط أو تخوض مواجهة مع قوات الدعم إذا لم تتمكن من تغيير موقفها.

وتوقّعت المصادر حدوث تغييرات في بينة بعض الحركات المسلحة قد تقود إلى المزيد من الانشقاقات داخلها، بسبب تباين المواقف من الجيش وقوات الدعم السريع، فهناك قيادات تريد الرهان على الثانية بعد تفوقها عسكريا في دارفور، ومع التوصل إلى تسوية سياسية سوف تكون قوات الدعم السريع رقما مهما في السودان، على عكس قيادات الجيش وعلى رأسها الجنرال عبدالفتاح البرهان الذي سيكون مستقبله العسكري والسياسي غامضا.

وبرزت في الفترة الأخيرة مواقف لافتة لبعض الحركات المسلحة لاسيما في إقليم دارفور، على غرار حركة تحرير السودان التي أكد زعيمها وحاكم الإقليم مني أركو مناوي إنه على تواصل مع “الإخوة” في قوات الدعم السريع. وقبلها بأيام كانت حركة تحرير السودان جناح مناوي وحركة العدل والمساواة برئاسة جبريل إبراهيم تبرأتا من بيان للحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام وصف قوات الدعم السريع بـ”الميليشيا المتمردة” ودعا “لمحاسبتها”.

وقالت الحركتان في بيان مشترك إن بيان الحركات التي شاركت في ملتقى جوبا التشاوري لم تتم مناقشته وتطويره بواسطة جميع التنظيمات التي وردت أسماؤها في نهايته. وأكدت الحركتان أن البيان صدر في توقيت غير مناسب ولا يدعم مساعي حل الأزمة الوطنية ووقف نزيف الدماء. وتابعتا “عليه نؤكد أن البيان لا يمثلنا وننتهز الفرصة السانحة لندعو الجميع إلى إعلاء روح العمل المؤسسي تعزيزاً للتحالفات وترقية للممارسة السياسية في هذا الظرف الحرج من تاريخ السودان”.

ويرى متابعون أن هذه المواقف تعكس بداية تحول حيال ما يجري في السودان، وأن الحركات المسلحة تتابع باهتمام شديد الوضع الميداني، الذي ستبني عليه في الأخير توجهاتها خلال الفترة المقبلة.

وتبدو القوى المدنية أقل حذرا حيال ذلك ولا تخفي بعض قياداتها تقاطعا إلى حد كبير مع قوات الدعم السريع، وهو ما ظهر في تصريحات القيادي البارز في تحالف الحرية والتغيير ياسر عرمان، الذي أعرب الأسبوع الجاري عن أمله في أن تنجح قوات الدعم السريع في توظيف ما حققته لأهداف إستراتيجية بعيدة المدى، في إشارة إلى تحييد فلول النظام السابق.

وتلتقي القوى المدنية مع قوات الدعم السريع في الموقف من فلول النظام السابق، ويحمل الطرفان الفلول المسؤولية عن نشوب الحرب الجارية منذ الخامس عشر من أبريل بغية خلط الأوراق والعودة إلى الساحة مجددا. ويرى محللون أن القوى المدنية وإن كانت تحرص على إظهار أنها المعادل الثالث في المشهد السوداني وهي تعمل لتحقيق هذا الهدف عبر تشكيل جبهة موسعة، فإنها في واقع الأمر هي أقرب إلى قوات الدعم السريع.

وقال المحلل السياسي السوداني الشفيع أديب إن المكون العسكري الذي يخوض الحرب الآن بفروعه المختلفة ليس على هوى القوى المدنية التي مازالت لديها هواجس من أن العسكريين في السودان يفتقرون إلى الرغبة في تسليم السلطة إلى المدنيين أو المساهمة في نجاح التحول الديمقراطي، وإن الأحزاب والقوى المدنية على قناعة بضرورة انتظار ما سوف تؤول إليه المفاوضات الجارية في جدة لتحدد موقفها من الحل السياسي.

وأضاف أديب أن الحرب الدائرة الآن بعيدة عن شعارات التحول الديمقراطي، كما أن القوى المدنية ليس لديها ما تقدمه مع احتدام المعارك العسكرية، ولن يكون لديها تأثير فعال سوى بعد توقف إطلاق النار بشكل نهائي، وتعوّل على أن يكون الحل سلميًا بما لا يجعل الكفة تميل إلى جهة طرف على حساب آخر بما يخدم تطلعاتها السياسية مستقبلا.

وأوضح الشفيع أن التحول الديمقراطي في السودان يواجه صعوبات جمة وقد لا يكون هناك انتقال يتماشى مع هوى القوى المدنية التي تسعى لأن تتواجد على رأس السلطة، بالتالي فإن العلاقة بينها وبين المكونات العسكرية لن تكون في أفضل حالاتها ويتوقف الأمر على مواقف بعض القوى التي تتقارب مع هذا الطرف أو ذاك.

ويرى متابعون للمشهد السوداني أن الميدان يبقى النقطة الفاصلة في تحديد المسار السياسي في السودان، لافتين إلى أن ميزان القوى على الأرض يميل حاليا وبشكل واضح لصالح قوات الدعم السريع، رغم الضغوط الخارجية التي تتعرض لها، من أجل إيقاف تقدمها.

وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الخميس إن الولايات المتحدة تشعر بقلق بالغ إزاء التقارير التي تتحدث عن هجوم وشيك في الفاشر بولاية شمال دارفور في السودان وتدعو الطرفين المتحاربين إلى الوقف الفوري عن شن هجمات أخرى. وأضاف بلينكن في بيان أصدرته وزارة الخارجية “تدعو الولايات المتحدة الطرفين المتحاربين إلى الوقف الفوري عن شن هجمات أخرى في الفاشر والمناطق المحيطة بها للوفاء بالتزاماتهما بموجب القانون الإنساني الدولي في ما يتعلق بالمدنيين”.

وتحدثت معطيات عن نية قوات الدعم السريع السيطرة على الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، ويرى المراقبون أن الضغط الأميركي يعود إلى إدراك واشنطن بأن السيطرة على الفاشر سيعني تعزيز مكاسب قوات الدعم السريع وبالتالي سيكون لدى الأخيرة القدرة عمليا على فرض شروطها للسلام.

وأعلن نائب قائد قوات الدعم السريع عبدالرحيم دقلو في مقطع فيديو، الأربعاء، التحرك للسيطرة على جميع ولايات السودان وجميع مواقع الجيش في البلاد، جاء ذلك بعد السيطرة على الفرقة 21 بمدينة زالنجي عاصمة ولاية غرب دارفور. ودعا دقلو قائد الجيش السوداني للاستسلام قائلا له “لم يتبقَّ لك شيء… لا يوجد جيش يقاتل. أنتم الآن تدافعون في القيادة العامة من داخل البيدروم ويومياً نحن متقدمون وسنتسلمها منكم”.

وأعلنت قوات الدعم السريع الثلاثاء السيطرة على الفرقة 21، مقر قيادة الجيش في مدينة زالنجي بعد أن نجحت في السيطرة على الفرقة 16 بمدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور ثاني أكبر المدن السودانية بعد الخرطوم، ومركز قيادة الجيش في الأقاليم الغربية. ودعا دقلو البرهان إلى “رفع يده” عن القوات المسلحة؛ كما دعا من وصفهم بعناصر النظام السابق داخل الجيش إلى الاستسلام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى