حرب السودان تجبر مواطنين على مغادرة منازلهم
أجبر سودانيون في منطقة أبو روف السكنية بمدينة أم درمان ضاحية غرب الخرطوم الكبرى، على مغادرة منازلهم الإثنين، بسبب احتدام القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وأفاد أحد سكان أبو روف بوسط أم درمان وكالة فرانس برس، بوقوع اشتباكات وصفها بأنها “الأعنف” للسيطرة على المنطقة.
وقال: “الجيش يقصف بالمدفعية والطيران باتجاه جسر شمبات (الذي يربط بين أم درمان وبحري شمال الخرطوم) لوقف الإمداد عن قوات الدعم السريع”.
وفي هذا الصدد، أفادت لجان مقاومة أبو روف بأن المنطقة شهدت “إخلاء عامًا لكل المنازل بأمر من القوات المسلحة من ناحية والدعم السريع من ناحية أخرى وإعلانها منطقة عمليات”.
ودعت لجان المقاومة “جميع سكان الأحياء المجاورة إلى مساندة أهالي أبو روف”. وتحدث آخرون عن تواصل “القصف المدفعي والصاروخي” على مناطق وسط مدينة أم درمان وشمال الخرطوم وجنوبها.
وأكد مواطنون بحي الشهداء وسط أم درمان “سقوط قذائف على المنازل”.
وأواخر الشهر الماضي أفاد محامو الطوارئ، وهي مجموعة تشكلت خلال احتجاجات ديسمبر/كانون الأول 2018 ضد الرئيس السابق عمر البشير، بأنه تم إخلاء مناطق عديدة بالخرطوم وخصوصًا في الجنوب والوسط، واستخدام منازل المواطنين “كثكنات عسكرية”.
ومنذ 15 أبريل، يستمر النزاع بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو وتتركز المعارك في العاصمة وضواحيها وفي إقليم دارفور غرب البلاد وبعض المناطق الجنوبية.
وأسفرت هذه الحرب عن مقتل 3900 شخص على الأقل، كما أجبرت نحو أربعة ملايين آخرين على مغادرة بلداتهم ومنازلهم سواء إلى ولايات أخرى لم تطلها أعمال العنف أو إلى خارج البلاد.
في هذا السياق، لا تظهر في أفق يشوبه غبار المعارك نهاية للحرب، وتحيط سحب سوداء بالوضع الميداني، ما يُنذر بسوء طالع السودانيين وبؤس أحوالهم.
فأكثر من 100 يوم، والصورة ثابتة لا تتغير، حيث تجري اشتباكات يومية مع دوي قصف يتردد صداه بلا هوادة، تارة بالمدفعية الثقيلة وأخرى بالمقاتلات الحربية.
من جانبه، افتتح الجيش السوداني يومه بقصف مكثف على مواقع الدعم السريع في أحياء أركويت والفردوس المعمورة جنوب شرقي العاصمة السودانية.
ونفذت مقاتلات الجيش كذلك غارات جوية على تجمعات الدعم السريع في محيط المدينة الرياضية جنوبًا ومدينة بحري والمنطقة الصناعية وسط الخرطوم.
وفي ضاحية بري شرق القيادة العامة، تبادل طرفا الصراع القصف المدفعي، وفي أم درمان أسفرت الاشتباكات العنيفة عن مقتل امرأة وطفلها بقذيفة مدفعية طائشة.
توازيًا مع ذلك، يجري حراك سياسي تحاول عبره القوى الإقليمية والمحلية إيجاد حل ينهي معاناة السودانيين.
فقد كشف نائب رئيس المجلس السيادي مالك عقار عن مقترح جديد لخارطة الطريق توصل إلى إنهاء الاقتتال الدائر، ويقوم على الفصل بين الجيش والدعم السريع والشروع بعملية سياسية شاملة تتركز على تأسيس الدولة، وليس على أساس اقتسام السلطة، كما يقول.
كل ذلك في وقت تزداد فيه أوضاع المدنيين سوءًا في وقت نزح فيه العديد من المواطنين خارج منازلهم، أما من بقي فيواجه الأمراض والأوبئة في ظل انهيار وشيك لنظام الرعاية الصحية، ناهيك عن أمطار موسمية تفاقم أوضاعهم وتزيدها ترديًا.
وفي هذا الإطار، توضح مراسلة “العربي” في السودان درة قمبو، أن هناك نقصًا حادًا جدًا في الأدوية بالبلاد بسبب توقف الميزانيات المالية جراء الحرب الدائرة، فيما بات استيراد الأدوية محدودًا للغاية.
وتضيف قبمو أنه حتى الأدوية التي تصل كمعونات من بلدان أخرى تلقى مصيرًا أسود، مشيرة إلى أن الجيش استولى على كميات منها.
وتردف مراسلتنا أن قوات الدعم السريع استولت أيضًا على مؤسسة الإمدادات الطبية الحكومية منذ أكثر من شهرين تقريبًا، ولا تسمح بخروج الأدوية إلى المستشفيات أو توزيعها على المرضى.
وتبين أن وضع الحرب نفسه يجعل من الصعوبة بمكان على المدنيين الوصول إلى المستشفيات لتلقي العلاج بسبب القتال المستمر وموجات النزوح والهجرة المرتفعة.
وتذكر مراسلتنا أن السودان كان يعاني لسنوات طويلة جدًا من الملاريا التي اختفت قبل عدة سنوات، لكنها عادت في السنتين الأخيرتين، مشيرة إلى أن وجود هذا المرض في هذه الظروف يشكل خطرًا حقيقيًا، لأنه مرتبط بنظم التغذية في ظل الحديث عن مجاعة وشيكة في السودان.
وتحذّر المراسلة من انتشار الكوليرا، وهي مرض متعلق بتلوث المياه والبيئة، مشيرة إلى أن التلوث في هذه الظروف موجود بشدة، خصوصًا مع غياب خدمات النظافة المنتظمة للمدن والشوارع، وغياب الرقابة الصحية عن الأسواق وعن البيع في المدن التي تقع خارج نطاق دائرة الحرب، إضافة إلى غياب الأدوية نفسها وصعوبة الوصول إليها.