أحداث

جريدة بريطانية: هل تفتح انقسامات الإسلاميين في السودان الباب أمام تغيير سياسي؟

هل تهيئ انقسامات الإسلاميين في السودان لحدوث تغيير سياسي؟ تظهر الصراعات الداخلية الجذرية التي يواجهها “المؤتمر الوطني” الاختلافات في الآراء بشأن طريقة التعامل مع المرحلة الانتقالية.


من المعروف أن الثورة السودانية أحدثت تحولاً كبيراً في المشهد السياسي، مما أثر على توازن القوى داخل حزب المؤتمر الوطني. وهذا أدى إلى بروز تيارات جديدة تطالب بتغيير جذري في سياسات الحزب، مما سيترك آثاراً ستؤدي إلى مزيد من الانقسامات في داخله.

تشهد الساحة السودانية هذه الأيام جدلاً كبيرًا يتردد صداه عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول الانقسامات التي تبرز بين الإسلاميين السودانيين، خصوصًا في حزب المؤتمر الوطني الذي كان يقوده الرئيس السابق عمر البشير، وذلك بعد أن تم اختيار قيادة جديدة للحزب خلال اجتماع عُقد مؤخرًا من قبل مجلس شورى الحزب. وقد قوبل هذا القرار بالرفض من قبل مجموعة أخرى التي اعتبرت أن الأمر يفتقر إلى الشرعية. من جهة أخرى، شن فريق ثالث هجومًا قويًا على قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، مؤكدين أن “الإسلاميين لا يثقون به، وأن الانتصارات الأخيرة تعود الفضل فيها للإسلاميين وليس للجيش.”

ما هي آثار وتأثيرات هذه الانقسامات على سير الحرب القائمة بين الجيش وقوات “الدعم السريع” منذ منتصف أبريل 2023، خاصة أن هناك كتائب إسلامية تشارك في القتال إلى جانب الجيش، بالإضافة إلى تأثيرهم على مركز اتخاذ القرار داخل المؤسسة العسكرية كما يُشاع؟

صراعات داخلية

يقول المتحدث الرسمي باسم حزب التحالف الوطني السوداني شهاب إبراهيم الطيب إن “الصراعات بين الإسلاميين، وخاصة حزب المؤتمر الوطني، هي نتيجة حتمية للتغيرات الأساسية التي يشهدها السودان. ورغم أن هذه الانقسامات تضعف الحزب، إلا أنها قد تفتح المجال لتغيير سياسي أوسع في البلاد. كما أنها تشير إلى الصراعات الداخلية العميقة التي يعاني منها الحزب منذ سقوطه، والتي تفاقمت بعد الإطاحة بنظام عمر البشير في 2019، مما أدى إلى اختلاف الآراء حول كيفية التعامل مع المرحلة الانتقالية ورؤى الحزب المستقبلية. وبالتالي، تعمقت الخلافات وأدت إلى صراع قوي وتنافس شديد على المناصب القيادية داخل الحزب، خصوصًا بعد سقوط النظام السابق”. وأضاف أن “الثورة السودانية أدت إلى تغيير جذري في المشهد السياسي، مما أثر على توازن القوى داخل حزب المؤتمر الوطني، مما أسفر عن بروز تيارات جديدة تدعو إلى تغيير جذري في سياسات الحزب، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى المزيد من الانقسامات داخله”.

وأضاف الطيب، “من المؤكد أن هذه الانقسامات ستؤدي إلى إضعاف الحزب وتفريق صفوفه، مما يجعله أقل تأثيرًا في الساحة السياسية، كما أنها تساهم في تعقيد الأزمة السياسية في البلاد، وتأخير إنهاء الحرب، مما ي prolong فترة استقرار السودان”. وأشار إلى “احتمالية أن تتوحد بعض التيارات الإسلامية لمواجهة التحديات المشتركة التي تواجه السودان، وفق الشروط التي يطرحها مشروع التغيير والواقع الحالي في البلاد، من حيث فك الارتباط مع الأجهزة الأمنية وإجراء المراجعات الضرورية، لكن هذا يتطلب وجود قيادة تستطيع تجاوز الفكر الإقصائي والسيطرة بالقوة على السلطة”.
أنهى المتحدث الرسمي باسم حزب التحالف الوطني السوداني بقوله إن “انقسام الإسلاميين يعد من العوامل الرئيسية التي أدت إلى تفاقم الأزمة السودانية واستمرار النزاع. وللتغلب على هذه الأزمة، يجب العمل على عزل تأثير المؤتمر الوطني عن الجيش والأجهزة الأمنية من خلال فصل العلاقة بينهما، وذلك لإنشاء حل سياسي شامل يضمن تحقيق السلام والاستقرار في البلاد”.

مغالطة كبيرة

أشار الكاتب السوداني إبراهيم الصديق علي إلى أن “هناك تفسيرات متعددة لحالة تنظيمية ترتبط برئاسة حزب المؤتمر الوطني، بين إبراهيم محمود الذي اعتمده مجلس الشورى في عام 2020، وأحمد هارون المفوض من رئيس الحزب في 2019. ورغم أن الأول سلم قيادة الحزب للثاني في يونيو 2023، إلا أنه عاد إلى البلاد قبل شهرين من تركيا ليشكل قطاعات ومكتب قيادي، مما أدى إلى وجود أكثر من مركز قرار داخل الحزب. في الوقت نفسه، اجتمع مجلس شورى الحزب في نوفمبر الماضي واعتمد تفويض أحمد هارون، وأوقف جلساته للحوار مع الأطراف الأخرى”.

تابع علي قائلاً: “أعتقد أن الحراك الجاري في أروقة (المؤتمر الوطني) لن يؤثر على مسار الحرب وتطوراتها لعدة أسباب، منها أن جميع الأطراف متفقة على ضرورة تركيز جهودها على هذه المعركة التي تمثل معركة لكل أهل السودان، وليست خاصة بالمؤتمر الوطني أو الحركة الإسلامية. كما أن المجتمعات في كثير من المناطق أصبحت تتجاوز القوى السياسية وأصبحت القوة الأكثر فعالية هي قوة الشعب، وذلك لأن الحرب أثرت على الناس بشكل مباشر في حياتهم وأراضيهم وأمنهم وممتلكاتهم. بالإضافة إلى أن من يقاتلون في الميدان لديهم وعي كامل بقضيتهم وظروفها، لذلك لا تشغلهم مثل هذه الأحداث عن واجبهم في الدفاع عن وطنهم”. وأضاف: “ما قاله الداعية عبدالحي يوسف حول قائد الجيش عبدالفتاح البرهان يعبر عن آراء شخصية وقناعات تخصه، وقد سبق أن عبر عن بعضها وخاصة في موضوع التطبيع مع إسرائيل. لكن الحديث باسم الحركة الإسلامية ليس له صفة تنظيمية، لأنه لم يكن عضواً فيها طوال حياته، دون التقليل من دوره وتأثيره، وقد أوضحت الحركة ذلك في بيان لها”.

واصل الكاتب السوداني حديثه قائلاً: “إن ما يُثار حول علاقة الإسلاميين بالجيش ليس سوى مغالطة كبيرة. ومع ذلك، هناك نقطتان مهمتان يجب الإشارة إليهما. الأولى هي أنه عندما أرادت القوى السياسية الإطاحة بحكومة البشير، توجهت إلى قيادة الجيش، وباسمها قام الجيش بإبعاد حزب المؤتمر الوطني عن السلطة، بل أصدر قراراً بحظره ومصادرة ممتلكاته واعتقال رموزه وقياداته. أليس هذا هو نفس الجيش وقيادته؟ لذا فإن توجيه الاتهامات حسب الأهواء السياسية والتحالفات يعد أمراً غير مبدئي وخياراً خاطئاً. أما النقطة الثانية فهي أن الجيش يمثل أحد أبعاد الوحدة الوطنية، وهو الحامي للدولة، ورغم اختلاف الآراء حول قيادته، إلا أنه يبقى الركيزة الأساسية للأمن القومي، ولذلك يدعمه كل وطني مخلص لبلاده، بالإضافة إلى أن القيادات تتغير لكن تبقى المؤسسة العسكرية برمزيتها وتاريخها ودورها المعروف.”

هجوم لاذع

شن الداعية عبدالحي يوسف هجومًا حادًا على قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، مؤكدًا أن “الإسلاميين لا يثقون به”، مشيرًا إلى أن الانتصارات الأخيرة تُنسب إلى الإسلاميين وليس إلى الجيش.

اعتبر يوسف، خلال محاضرة نظّمها مركز مقاربات للتنمية السياسية السوري في إسطنبول، أن البرهان وقائد قوات “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو المعروف بـ “حميدتي” متساويان في علاقتهما مع إسرائيل، مشيراً إلى أن “حميدتي كان له ارتباط مع الموساد، بينما البرهان قد التقى نتنياهو مباشرة في عنتيبي بأوغندا”.

ألقى الداعية السوداني اللوم على البرهان بسبب السماح لقوات الدعم السريع بالتواجد في المناطق الاستراتيجية بالعاصمة دون الحصول على موافقة من الجيش. كما انتقد تعديل قانون “الدعم السريع” الذي أتاح لهذه القوات التوسع والتجنيد دون وجود رقابة أو متابعة.

عرف عبدالحي يوسف بارتباطه الوثيق بالعسكريين منذ فترة حكم الرئيس المعزول عمر البشير. كما أيد فض الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش، الذي تسبب في سقوط أكثر من 500 قتيل. بالإضافة إلى ذلك، أيد انقلاب البرهان وحميدتي على الحكومة الانتقالية برئاسة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك في 25 أكتوبر 2021، وكان داعماً للجيش في مواجهته ضد “الدعم السريع” بعد اندلاع الحرب في البلاد منذ أكثر من 19 شهراً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى