أحداث

تسليح المدنيين يثير مخاوف من “حرب أهلية” واسعة


حذرت أوساط سياسية في السودان، من “مغبة” انزلاق البلاد نحو حرب أهلية أو توسع رقعة الحرب نفسها، فيما تصاعدت تلك المخاوف عقب حملة تسليح المدنيين التي تبناها الجيش، وسط اتهامات لأنصار نظام الرئيس السابق عمر البشير بالوقوف وراء ما يُعرف بـ”المقاومة الشعبية”.

وشملت عمليات التعبئة العامة وتسليح المدنيين عددا من الولايات أبرزها “نهر النيل والشمالية والبحر الأحمر والقضارف، وكسلا”، فيما أثيرت مخاوف من تعميق الانقسام بين السكان، خصوصا بسبب اقتصار حملات التسليح تلك على بعض المكونات الاجتماعية.

وروّج إعلاميون وناشطون ينتمون للحزب الحاكم في عهد البشير، حملات التسليح، ودفعوا بقوة نحو ذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي وأطلقوا “المقاومة الشعبية”.

ومؤخرًا، أعلن قائد الجيش السوداني الفريق عبدالفتاح البرهان، خلال خطاب أمام جنوده بمنطقة جبيت العسكرية بشرق السودان، دعم وتسليح المواطنين فيما يعرف بـ”المقاومة الشعبية” للقتال مع الجيش ضد قوات الدعم السريع.

عمليات التحشيد لتسليح المدنيين في السودان
 

وأشار مصدر مطلع إلى وجود نحو 10 ملايين قطعة سلاح منفلتة في السودان، جرى توزيع 5 ملايين منها على المدنيين خلال هذه الحرب.

وانتقد المصدر توزيع تلك الأسلحة على المدنيين، وقال: “لن توجه هذه الأسلحة لعدو خارجي وإنما لصدور السودانيين فيما بينهم، وعندها سيسبح السودان في بحر من الدماء ويغوص في حفرة مليئة بجماجم الأبرياء”.

عناصر النظام البائد

وأكد عضو اللجنة السابقة لتفكيك نظام البشير، عروة الصادق، أن عناصر وأنصار النظام السابق هم من يقف وراء حملات التسليح، موجها اتهامات مباشرة لـ”مجموعة تركيا”، بتبني تلك الحملات ودعمها.

وكشف عروة عن وصول مجموعة من عناصر نظام البشير الهاربين إلى السودان للإشراف على عملية تسليح المدنيين، مؤكدًا أن “الجيش سمح لهذه المجموعة بالدخول للبلاد، كما سهل لها الحصول على تحويلاتها المالية، التي اشترت بها سلاحا تم توزيعه على بعض المناطق بالسودان”.

وأكد أن “أنصار البشير لا يهدفون من وراء تلك الحملات، لحماية المدنيين، وإنما تحجيم دور الجيش، مقابل السماح بتمددهم الشعبي لاستعادة منصات انطلاق جديدة لحزبهم المنحل”.

وأوضح أن “أنصار النظام السابق بذلوا قصارى جهدهم لزيادة نيران الحرب في السودان، ويريدون من ذلك وضع الجميع أمام خيارين، هما استقرار بسيناريو متفق عليه وفق تصوراتهم، أو حريق البلاد لحين التسليم بهم كطرف أصيل في أي عملية سياسية مستقبلية”.

وأكد “الصادق” أن “جماعة حزب المؤتمر الوطني سيعرقلون أي توجه نحو السلام وسيقيدون تحركات قائد الجيش وجنرالاته، حتى لو كلفهم ذلك تصفية بعضهم لصالح التجييش الشعبي المخطط له”.

انتشار السلاح في صفوف المدنيين السودانيين
 

جماعات إرهابية

وتوقع عضو لجنة تفكيك نظام البشير، أن تتسبب عمليات تسليح المواطنين بشكلها، بـ”تفريخ جماعات إرهابية في المستقبل”، مبينا أن مؤشرات حيال ذلك ظهرت فعليا في منطقة مروي شمال البلاد، إذ نشرت مجموعة أطلقت على نفسها اسم “المعتصم بالله”، مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي دعت فيه إلى قتال قوات الدعم السريع كما تجرم قوى سياسية تطالب بالتحول المدني الديمقراطي.

وأشار عروة الصادق إلى وجود مجموعات مسلحة عديدة لا تخضع لسيطرة الجيش منها كتائب “البراء، والقعقاع، والبنيان المرصوص”، وهي ميليشيات تتبع للحركة الإسلامية وحزبها السياسي “المؤتمر الوطني”.

وأكد أن “هذه الكتائب ستتحكم في عملية تسليح المدنيين الجارية حاليًا، وسيخرج منها أمراء الحرب الجدد، كما ستصبح هذه الكتائب الوجه الجديد لتنظيم داعش، في مصر والسودان، فيما ستتحرك هذه الجماعات للتنسيق مع إخوان مصر في ظل فوضى انتشار السلاح”.

تجارة السلاح

واعتبر عروة، تصريح قائد الجيش السوداني الذي أعلن فيه دعمه للمقاومة الشعبية وتسليح المدنيين، بمثابة ضوء أخضر لتجار السلاح في المنطقة.

وكشف أن “هناك معلومات حول وجود مجموعة تنشط حاليًا بدولة مجاورة في تجارة السلاح من خلال استيراده وتوزيعه في السودان”، لافتا أنه “توجد مجموعة كانت مقبوضا عليها في سجن كوبر خرجت عقب اندلاع هذه الحرب، وأصبحت ناشطة اليوم في تجارة السلاح وتعمل كوسيط بين الأطراف المتحاربة في شراء السلاح من بعضهم وتوزيعه على جهات أخرى”.

أحداث الدلنج

ورافقت عملية تسليح المدنيين حملة تعبئة، ضد قوات الدعم السريع ومكوناتها القبلية، خصوصًا في ولاية جنوب كردفان، ما أدى لبروز نذر حرب عرقية بين قبائل النوبة والقبائل العربية على خلفية هجوم الدعم السريع على مدينة “الدلنج” قبل يومين.

وحذر حزب الأمة القومي مما يجري في “الدلنج” قائلًا إن “المدينة شهدت خلال هذا الأسبوع أحداث عنف دامية بين الأطراف العسكرية فيما بينها، وبين المكونات القبلية بالمدينة”، معتبرا أن تلك الأحداث مدفوعة ممن وصفهم بـ”أيادي الشر من دعاة الفتنة”، الذين عملوا على إشعال الحرب بين مكونات المجتمع المتعايشة لعشرات السنين دون نزاع أو صراع”.

وقال الحزب إن “أحداث مدينة الدلنج تؤكد بوضوح الآثار المضرة لاستمرار الحرب واستخدام المواطنين كأدوات في الصراع بين طرفي الحرب؛ مما يهدد السلم الاجتماعي والتعايش في المنطقة”.

جانب من أحداث الدلنج
 

ورفض البيان “تحويل الصراع العسكري لصراع قبلي عبر التحشيد للمكونات القبلية”، محملًا من أسماهم “فلول النظام البائد” مسؤولية زرع الفتنة بين القبائل والسعي لتحول الحرب الدائرة إلى حرب أهلية. 

وطالب حزب الأمة قبائل “النوبة والحوازمة” بضرورة ضبط النفس وعدم الانجرار وراء دعوات الدخول في الصراع العسكري، والحفاظ على السلم الاجتماعي، مناشدًا الإدارات الأهلية والأعيان والقيادات في المنطقة بضرورة التدخل لاحتواء الفتنة القبلية وحقن دماء المدنيين. 

كما ناشد الحزب، الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبدالعزيز الحلو، بالمساهمة البناءة في احتواء الصراع ومنع تمرير مخطط زرع الفتنة القبلية.

ويعيش عدد من الولايات السودانية التي كانت خارج دائرة الصراع العسكري، حالة من الرعب خشية وصول الحرب إليها، وسط تمدد القتال خارج الخرطوم ووصولها إلى بعض المناطق الجنوبية. 

ومع انتقال المعارك إلى ولايات “الجزيرة وسنار والنيل الأبيض”. اتسعت رقعة الحرب في السودان لتشمل فعليًّا 12 ولاية. بعدما كانت الاشتباكات مقتصرة على 9 ولايات، هي: “الخرطوم، وخمس ولايات في دارفور، وثلاث في كردفان”.

وخلفت الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. المندلعة منذ 15 أبريل/نيسان الماضي، أكثر من 12 ألف قتيل، وما يزيد على 7 ملايين نازح ولاجئ. بحسب الأمم المتحدة. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى