أحداث

تسريبات جديدة تشعل الجدل حول مستقبل الحرب والسلام في السودان


لسودان يشهد تصاعدًا سياسيًا وعسكريًا متزامنًا، وسط مؤشرات على تحركات تفاوضية متعثرة، واتهامات باستخدام أسلحة كيماوية في الفاشر، بينما تتواصل محاولات دولية لإعادة تشكيل المشهد السياسي في ظل أزمة إنسانية غير مسبوقة.

اتصالات سياسية

في ظل تعقيدات المشهد السوداني، كشفت مصادر صحفية عن اتصالات جرت بين مجلس السيادة السوداني وقيادات من تحالفي “صمود” و”تأسيس”، ما أثار موجة من التحليلات السياسية حول إمكانية التوصل إلى تسوية تفاوضية تنهي الحرب المستمرة منذ أبريل 2023. الخبر الذي نشره رئيس تحرير صحيفة “السوداني”، عطاف محمد مختار، دفع مراقبين إلى الربط بين هذه الاتصالات وبين سلسلة لقاءات دولية سابقة، بدأت في جدة، مرورًا بالمنامة، ووصولًا إلى جنيف، حيث التقى رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان بمسعد بولس، مستشار الرئيس الأمريكي. هذه التحركات تعيد طرح فرضية أن الحل السياسي قد يكون الخيار الوحيد المتاح، في ظل استحالة الحسم العسكري لأي من أطراف النزاع.

مشاورات بورتسودان

بالتزامن مع تسريب خبر الاتصالات، شهدت مدينة بورتسودان، العاصمة المؤقتة، انطلاق الجلسة الافتتاحية للمشاورات السياسية التحضيرية للحوار السوداني، بتنظيم من قوى الحرية والتغيير – الكتلة الديمقراطية، وهي الجهة الداعمة لانقلاب 25 أكتوبر. الورشة التي تستمر ثلاثة أيام، بدعم مالي من منظمة “بروميديشن” ورعاية الاتحاد الأوروبي، تهدف إلى بلورة رؤية سياسية جديدة تتجاوز الأزمة الوطنية عبر حوار سوداني – سوداني شامل. اليومان الأولان خُصصا لأعضاء الكتلة، فيما يُعرض في اليوم الثالث تصورها أمام القوى السياسية الأخرى، وفق ما أعلنه الناطق باسم الكتلة، الدكتور محمد زكريا، خلال الجلسة الافتتاحية.

مؤشرات تفاوض

يرى مراقبون أن الحراك السياسي المتسارع يعكس اقترابًا من تسوية تفاوضية محتملة، خاصة في ظل تعثر الحل العسكري، وتوصيف الأزمة السودانية بأنها من أسوأ الكوارث الإنسانية عالميًا في الوقت الراهن. هذا التوجه ينسجم مع الحراك الإقليمي والدولي نحو تسوية النزاعات، كما يظهر في موافقة حركة حماس على خطة أمريكية لوقف إطلاق النار في غزة، ما دفع محللين إلى الربط بين الملفين، معتبرين أن “غزة ومن بعدها السودان” تمثلان محورًا في استراتيجية دولية جديدة لإخماد الأزمات.

نفي وتحفظات

في سياق متصل، نفت مصادر وجود أي تواصل مباشر بين تحالف “صمود”، بقيادة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، ومجلس السيادة، رغم أن التحالف يؤكد في رؤيته السياسية أن التفاوض هو السبيل الوحيد لإيقاف الحرب واستعادة الحكم المدني. في المقابل، خرج محمد حمدان دقلو “حميدتي”، قائد قوات الدعم السريع ورئيس حكومة “تأسيس”، بتسجيل مصور بعد غياب طويل، مهاجمًا قائد الجيش ومثيرًا الجدل مجددًا حول من أطلق الرصاصة الأولى في الحرب.

تصعيد عسكري

في ظل الحديث عن التسوية، أعلنت الفرقة السادسة التابعة للجيش السوداني نجاحها في صد هجوم جديد نفذته قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، المحاصرة منذ أكثر من 500 يوم. الهجوم تزامن مع بيان صادر عن تنسيقية لجان المقاومة في المدينة، اتهمت فيه قوات الدعم السريع باستخدام سلاح كيماوي، ما أدى إلى مقتل أكثر من 30 شخصًا في يوم واحد، وفقًا لشبكة أطباء السودان. البيان وصف انتشار الغازات السامة فوق منازل المدنيين بأنه “جريمة حرب مكتملة الأركان”، في مدينة يعيش فيها أكثر من مليون شخص تحت حصار عسكري خانق.

رفض داخلي

رغم تصاعد الدعوات لوقف الحرب، قوبلت الأحاديث عن لقاءات بين مجلس السيادة والقوى المدنية بهجوم من تيارات إسلامية، اعتبرت أن قرار التفاوض ووقف القتال لم يعد بيد البرهان، بل بيد الشعب. هذا الهجوم يعكس امتدادًا للرفض الذي واجهته مخرجات اجتماعات الرباعية الدولية، والتي اعتبرت الإسلاميين “العقبة المركزية” أمام حل الأزمة السودانية، في ظل تمسكهم بخيار استمرار الحرب كوسيلة للعودة إلى السلطة.

تمديد دولي

في ظل استمرار الانتهاكات، اعتمد مجلس حقوق الإنسان تمديد ولاية بعثة تقصي الحقائق في السودان، رغم مطالبة وزير العدل في سلطة بورتسودان بمغادرتها. القرار الصادر بأغلبية الأعضاء أشاد بدور القوى المدنية، وسمّى تحالف “تقدم”، رغم انقسامه لاحقًا إلى “صمود” و”تأسيس”، على خلفية تشكيل حكومة موازية في نيالا تنازع شرعية بورتسودان، في وطن يعاني سكانه للحصول على الغذاء والماء والدواء، وسط تفشي حمى الضنك وانهيار الخدمات الأساسية.

محاكمة كوشيب

في مشهد يعكس تكرار المأساة، يتابع السودانيون محاكمة علي كوشيب في المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي، بعد إدانته بارتكاب 31 جريمة تشمل القتل والاغتصاب والتعذيب والإبادة الجماعية في دارفور بين عامي 2003 و2004. هذه الجرائم، التي ارتُكبت تحت قيادة من يقودون الحرب اليوم، تعيد للأذهان أن مصير كوشيب قد يكون مقدمة لما ينتظر من وظفوه، وأن دماء الضحايا ستظل تطاردهم حتى حبل الإدانة.

طريق شائك

الطريق نحو تسوية تفاوضية في السودان لا يبدو مفروشًا بالورود، في ظل تصاعد الأصوات التي ترى في استمرار الحرب وسيلة للهروب من المحاسبة، وتعتبر الموت الجماعي للسودانيين هو الثمن الذي يدفعه الشعب مقابل إفلات الجناة من العدالة. وفي بلد تتقاطع فيه المأساة مع الانقسام، يبقى السؤال مفتوحًا: إلى متى؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى