بوثيقة دستورية جديدة… البرهان يخطط لترسيخ سلطة الجيش
أثار إعلان الجيش السوداني عن خطط جديدة لإدارة السودان، تتضمن إلغاء الوثيقة الدستورية الحالية وإعلان وثيقة جديدة، جدلا واسعا باعتبارها خطوة تهدف لترسيخ حكم السلطة العسكرية في السودان من خلال صياغة وثيقة يكون الغلبة فيها لجنرالات الجيش، وذلك دون سند قانوني.
وأعلن مساعد قائد الجيش السوداني ياسر العطا، السبت. في مقابلة تلفزيونية عن رغبة قائد الجيش عبدالفتاح البرهان في تقديم وثيقة دستورية جديدة قائلا إن العمل عليها يجري “بسرعة كبيرة جدا”.
وأضاف العطا إنه “تم التوافق على صيغة دستورية (جديدة) .لإدارة الفترة التأسيسية الانتقالية للحكم الديمقراطي”. مشيرا إلى أن الإعلان الدستوري الجديد يؤسس لـ”إعادة صياغة مجلس السيادة وتعيين رئيس وزراء مستقل وهو بدوره يعين حكومته من كفاءات مستقلة”.
ويرى متابعون أن هذا الإجراء هو محاولة السيطرة فعليا على السلطة وترسيخ الحكم العسكري من خلال إلغاء الوثيقة السابقة. خصوصا أن الإجراء أيضا يتضمن تعيين رئيس مجلس وزراء الذي بالتأكيد سيكون مدينا بالولاء للجيش.
ليس من حق البرهان أن يقوم بإلغاء الوثيقة الدستورية فهو بمثابة انقلاب آخر. سوف يعقد من أزمة السودان ويقطع الطريق أمام القوى المدنية لطرح الحل السياسي.
وقال القيادي في حزب الأمة القومي عروة الصادق، إن الأزمة لن يحلها استبدال النصوص أو الشخوص بل القناعة الأكيدة. وأضاف أن السلطة الحالية لا تمتلك شرعية استبدال الدساتير فهي سلطة منقلبة على ثورة مجيدة بعظم التاريخ.
وأضاف الصادق في تصريح لصحيفة الراكوبة المحلية أن من الضروري إنهاء الحرب واستعادة الاستقرار لاستئناف الانتقال المدني الديمقراطي بأسس يتراضى ويتوافق عليها الجميع. ووصف ما يحدث الآن بأنه استغلال لفوضى الحرب .وتوظيف لأمرائها واستماع لأبواقها ولن يقود إلا لمزيد من الدمار والصراع الهوياتي والتقسيم الإداري والتشظي الجغرافي للبلاد.
وأشار إلى أن العطا وقائد الجيش وأعضاء المجلس السيادي العسكري قاموا بتمزيق الوثيقة الدستورية بعد انقلاب أكتوبر 2021. معتقدين أن المواد التي عطلوها تكفل لهم المضي قدما في مشروعهم الانقلابي، مضيفاً أنهم دائماً يخطئون ومن ثم يخططون لإصلاح أخطائهم بارتكاب المزيد من الجرائم .والفظاعات هدفهم التشبث والسيطرة من جديد على مقاليد السلطة وبسط هيمنتهم.
وتابع إن تحطيم الدستور القديم ووضع دستورهم الجديد. يعتبر أمرًا أكثر قبحًا مما هو عليه الآن، وتوقع مزيدًا من الفظاعات والانتهاكات التي حدثت بعد الانقلاب وبعد الحرب لجهة أنهم سوف يستخدمون تلك القوانين الجديدة لسحق أي معارضة لإبقاء أنفسهم في السلطة.
وتجمع الآراء إنه ليس من حق البرهان أن يقوم بإلغاء الوثيقة الدستورية فهو بمثابة انقلاب آخر، سوف يعقد من أزمة السودان ويقطع الطريق أمام القوى المدنية لطرح الحل السياسي.
وفي أعقاب ثورة أطاحت بحكم الرئيس الإسلامي السابق عمر البشير. أبرم العسكريون والمدنيون السودانيون وثيقة دستورية في أغسطس/آب 2019. كان يفترض أن تؤسس لمرحلة انتقالية مدتها 39 شهرا.
وبموجب تلك الوثيقة، يتولى الجيش السلطة على المستوى السيادي .بينما تقود حكومة مدنية ومجلس تشريعي الفترة الانتقالية.
وتأسس مجلس السيادة السوداني الذي يفترض أن يقود المرحلة الانتقالية برئاسة الفريق البرهان ونائبه السابق حميدتي، فيما تم تنصيب الخبير الاقتصادي، عبدالله حمدوك. رئيسا للوزراء لقيادة حكومة انتقالية البلاد. لكن تلك المرحلة لم تستمر طويلا بعد انقلاب قاده البرهان وحميدتي في أكتوبر/تشرين الأول عام 2021. وتم من خلاله بالإطاحة بالقوى المدنية من الحكومة، ما أثار إدانة دولية واسعة النطاق.
ومنذ ذلك الوقت، تفاقمت مشاكل السودان التي شهدت احتجاجات متوالية. علاوة على أزمة اقتصادية مستفحلة وصدامات قبلية متزايدة بالمناطق النائية.
ولكن المشهد في السودان انفجر في منتصف أبريل/نيسان 2023 بعد أن دخل حليفا الأمس. حربا دامية وضعت البلاد في مواجهة “واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في الذاكرة الحديثة”، وفقا للأمم المتحدة.
ومؤخرا، أعربت الأمم المتحدة عن قلقها المتزايد إزاء تقارير عن قتال عنيف في مناطق ذات كثافة سكانية مرتفعة فيما تسعى قوات الدعم السريع للسيطرة على الفاشر. آخر مدينة رئيسية بإقليم دارفور في غرب البلاد لا تخضع لسيطرتها.
والفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور تعتبر مركزا رئيسيا للمساعدات الإنسانية بالإقليم الواقع في غرب السودان والذي يعيش فيه ربع سكان البلاد البالغ عددهم 48 مليون نسمة.
وترى القوى المدنية في السودان أنه يجب على البرهان السعي إلى التوصل لتسوية مع حميدتي بدلا من الاستئثار بالسلطة. إذ أن طرح وثيقة دستورية جديدة في قلب الحرب التي تعيشها السودان سيكون لها تداعيات خطيرة وليست سوى تهور.