أحداث

بعد فشل المفاوضات في جنيف: هل تتجه الأوضاع في السودان نحو تصعيد أكبر في النزاع؟


بعد فشل محادثات جنيف المتعلقة بالسودان في تحقيق اتفاق لوقف إطلاق النار، زادت المخاوف من تفاقم الصراعات العسكرية العنيفة.

أعرب المراقبون عن قلقهم الشديد من احتمال انتقال الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى مناطق جديدة لم تشهد القتال سابقاً، وخاصة بعد انتهاء فصل الخريف الذي يعيق التحركات العسكرية، مما قد يؤدي إلى زيادة عدد الضحايا الذي يُقدر حالياً بحوالي 19 ألفاً نتيجة المعارك.

انتهت محادثات جنيف التي دعت إليها الولايات المتحدة الأمريكية في سعي لحل الأزمة، دون التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، لكن الطرفين التزما بضمان وصول المساعدات الإنسانية من خلال ممرين رئيسيين.

ومع ذلك، تواصل المنظمات الإنسانية التحذير من عدم الأمان الذي يعوق توصيل المساعدات، إذ يعاني أكثر من 25 مليون شخص من نقص في الأمن الغذائي ويواجهون خطر المجاعة.

على الرغم من التداعيات التي سببتها حرب 15 أبريل 2023، إلا أن زعماء الطرفين المتصارعين لا يزالان يسعيان إلى مواصلة الحرب والبحث عن انتصارات جديدة، دون أخذ الوضع الإنساني للمواطنين بعين الاعتبار، والذين يعانون من المجاعة والنزوح واللجوء.

هذا ما أشار إليه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، خلال لقاء مع الصحفيين في مدينة بورتسودان يوم السبت، حين ذكر أن الجيش قادر على القتال لمدة 100 عام، مما يدل على أن الحرب قد تستمر لفترة طويلة.

وأكد أن الجيش “لن يضع سلاحه حتى ينتهي التمرد، وليس لديه نية في التعايش أو التسامح مع المتمردين”.

وأكد أنه الآن في أفضل حالاته.

اعتبر كمال عمر، القيادي في حزب المؤتمر الشعبي، أن قيادة الجيش تعاني من شعور حقيقي بالهزيمة في عدة مناطق، وتسعى لتحقيق نصر يمكّنها من الدخول في مفاوضات. وقد واجهت هذه القيادة أزمة نفسية حاولت التغلب عليها من خلال الاستنفار، لكن لم تصل إلى النتائج التي كانت تأمل فيها.

وقال: “نحن كقوى مدنية لا نريد أن يتعرض الجيش للهزيمة أو أن يخرج من هذه المعركة مهزومًا، لأننا نعتبره جيش الوطن على الرغم من التدخلات السياسية التي تحدث داخله.”

وأضاف وفقاً لجريدة (إندبندنت البريطانية): “في رأيي، تعاني الحكومة السودانية من ضعف في إدارتها للمفاوضات الحالية في جنيف لوقف إطلاق النار، لأنها تفتقر إلى وجود سياسيين مدنيين، وهذا ما يفسر عدم الاستقرار والافتقار إلى الفهم الذي نلاحظه.”

يتضح ذلك بشكل واضح من خلال مقاطعتهم لتلك المفاهمات وإصرارهم على تنفيذ قرارات إعلان جدة التي لا تتجاوز كونها شعارات.

وفقًا لمصادر عسكرية، فإن طرفي النزاع يستعدان لخوض معارك عسكرية شرسة في الخرطوم والجزيرة وسنار والنيل الأبيض، سواء لاستعادة السيطرة على مناطق فقدت أو للسيطرة على مناطق جديدة بعد انتهاء فصل الخريف.

قال شهود عيان لموقع (التغيير) إن قوات الدعم السريع تقوم بتجميع قواتها في مناطق الجزيرة وسنار والنيل الأبيض بهدف الهجوم على مناطق جديدة لتعزيز توسيع نطاق سيطرتها، وذلك للضغط على الجيش السوداني لاستئناف المفاوضات.

ومع ذلك، فقد نفى مستشار قائد قوات الدعم السريع، إبراهيم مخير، وجود أي نية لدى الدعم السريع للاستحواذ على مناطق جديدة.

قال لـ(التغيير) إنه “لا توجد نية لدى الدعم السريع لتوسيع القتال، فهو لم يبدأ القتال وناشد الفرق والضباط الشرفاء بعدم الانخراط في الحرب التي أشعلتها كتائب الإسلاميين، والدعم السريع يقاتل للدفاع عن نفسه وحماية المدنيين”.

وأضاف: “نأمل أن يعود البرهان إلى صوابه ويتعاون مع باقي الإسلاميين، وأن يعمل على تفكيك الكتائب المتطرفة ويستجيب للإرادة الدولية”.

وأضاف: “يجب على السياسيين الذين يؤمنون بالتغيير الحقيقي أن يعملوا بجد أكبر للضغط على البرهان ورفاقه. كما نبارك للتجمع المدني الذي تشكل أخيراً، وهو القوى المدنية المتحدة بقيادة المناضل هارون مديخير، ونتمنى لهم النجاح في تمثيل السودانيين الذين لا صوت لهم ولا حزب، والمهمشين الذين حرموا من حق المشاركة في صنع القرار”.

يتقاسم طرفا النزاع السيطرة على الولايات في البلاد، بينما لا يزال المواطنون يعانون في معظم المناطق، سواء نتيجة القصف المدفعي أو القصف الجوي.

يسيطر الجيش السوداني بشكل كامل على ولايات شرق وشمال البلاد، وهي النيل الأزرق، القضارف، كسلا، البحر الأحمر، الشمالية، ونهر النيل. بينما تبقت له محلية المناقل في ولاية الجزيرة المحاصرة، وكذلك محليات كوستي وربك والدويم في ولاية النيل الأبيض. كما لا تزال سنار المدينة تحت سيطرته في ولاية سنار بعد سقوط جميع محلياتها، بما في ذلك الفرقة 17 سنجة. وتبقى أيضًا الفقرة 5 الهجانة في ولاية شمال كردفان الأبيض، وفي غرب كردفان الفرقة 22 مشاة في بابنوسة، وكذلك الفرقة 14 مشاة في كادوقلي في جنوب كردفان، بالإضافة إلى الفرقة السادسة مشاة في مدينة الفاشر التي تشهد معارك عنيفة.

تسيطر قوات الدعم السريع على أربع محليات من أصل سبع في ولاية الخرطوم، حيث تتقاسم السيطرة مع الجيش الذي ظل متواجدًا في مقاره العسكرية منذ بدء الحرب.

تسيطر الدعم السريع على ولاية النيل الأبيض باستثناء الدويم وكوستي وربك، التي تحاصرها من جميع الجهات عقب استيلائها على موقع جبل موية الذي يربط بين النيل الأبيض وسنار والجزيرة. كما تسيطر على ولاية الجزيرة باستثناء منطقة المناقل، وولاية سنار باستثناء مدينة سنار، وقد أمنت السيطرة أيضاً على جميع ولايات دارفور عدا مدينة الفاشر.

وفي هذا السياق، اعتبر الخبير العسكري الفريق أول ركن محمد بشير سليمان أن هناك احتمالًا لزيادة العمليات العسكرية، وأن الحرب ستستمر بصورة أكثر شراسة، حيث تخطط مليشيا الدعم السريع لتطبيق استراتيجية الانتشار الواسع والتدمير الشامل بسرعات أعلى، في مسعى للاستيلاء على المزيد من المدن.

قال لـ(التغيير) إن ذلك يستلزم من القوات المسلحة إعادة النظر في استراتيجيتها وعقيدتها القتالية الحالية، وتجديد أساليب القتال. حيث لم تعد استراتيجية التموضع الدفاعي والسكون الحالية فعالة، كما أن الموقف القتالي بحاجة إلى تشكيلات جديدة وتطوير في التسليح. ويجب تفعيل مفهوم المقاومة الشعبية الشاملة ليشمل جميع أنحاء السودان، مع توفير سلاح يعادل أو يتفوق على سلاح مليشيا الدعم السريع، في إطار حصار هذه الاستراتيجية وتحقيق انتصار في الحرب – حسب قوله.

وعن إمكانية قيام الجيش باستعادة أراضٍ جديدة، قال الخبير العسكري: “نعم…

يمكن للجيش استعادة جميع المدن والمناطق التي تسيطر عليها مليشيا الدعم السريع إذا قام بتغيير استراتيجيته واتباع أساليب قتال متحركة، مدعومة بزيادة في عدد القوات (من خلال إنشاء تشكيلات جديدة)، مع اعتماد تخطيط دقيق يعتمد على معلومات استخباراتية موثوقة ومبني على مبدأ الوجود الشامل، بالإضافة إلى تفعيل الدور الحقيقي للمقاومة الشعبية.

استبعد الخبير العسكري انسحاب قوات الدعم السريع إلى دارفور، مشيراً إلى أنه “لن ينسحب الدعم السريع إلى دارفور، وهي منطقة تواجد دعمه الاجتماعي، إلا عندما يشعر فعليًا بهزيمته في جميع الأراضي السودانية. وهذا ما يجب على القيادة العسكرية أن تدركه وتخطط له للتغلب على البطء العملياتي ومدى زمن العمليات العسكرية الحالية.”

قال المحلل السياسي محمد تورشين إن فشل مباحثات جنيف كان متوقعاً نظراً لرفض الحكومة السودانية لمجريات تلك المباحثات.

وأضاف لـ(التغيير): “السيناريو الحالي يشير إلى تصعيد عسكري، خاصة مع التحركات الإقليمية والدولية واستقبال الجيش السوداني لعدد من الطائرات، سواء كانت k8 الصينية أو الطائرات الروسية، بالإضافة إلى الأسلحة. هذا يدل على وجود رغبة حقيقية من الحكومة السودانية في مواصلة الحرب.”

أشار إلى أن الدعم السريع، في المقابل، بعد أن رفض الجيش الانخراط في محادثات جنيف، يسعى إلى توسيع نطاق عملياته العسكرية والسيطرة على أكبر مساحة ممكنة، مما يؤثر بشكل مباشر على فرص الحكومة في استعادة السيطرة على الأوضاع، خصوصًا في المدن الكبرى.

وأضاف: “إذا تمكن الجيش السوداني من تحقيق انتصارات، فقد يتمكن من التفاوض بشروط جديدة، تتضمن ربما استقطاب أو دمج عدد محدود من القوات في المؤسسات العسكرية والأمنية، ومحاولة تجريم القيادات العليا، خصوصًا عائلة آل دقلو. وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تحقيق انتصار ساحق وهزيمة كبيرة لقوات الدعم السريع في جميع المناطق التي توجد فيها.”

استبعد المحلل السياسي أن تؤدي الأوضاع إلى التقسيم، حيث إن التقسيم يرتبط دائماً بعوامل اجتماعية. وأشار إلى أنه “إذا تحدثنا عن قضية دارفور، فإن قوات الدعم السريع لا تحظى بتأييد اجتماعي كبير، ولا تمثل أكثر من 50% من عدد السكان”.

وقال: “إذا اتخذ هذه الخطوة، ستقوم الحركات المسلحة بسحب قواتها والانتقال إلى دارفور للسيطرة على الأوضاع، حيث إن ترك الأمور في دارفور كما هي سيساهم بشكل أو بآخر في زيادة التعقيدات في المستقبل”.

فيما يتعلق بإمكانية أن يشكل الدعم السريع حكومة موازية لحكومة بورتسودان، صرح محمد تورشين بأنه لا يمكن الاعتراف بتشكيل حكومة في مثل هذه الظروف، وأشار إلى أن الوضع في ليبيا واليمن يعد خير دليل على ذلك.

وأضاف: “لذلك أرى أن تشكيل حكومة من قبل الدعم السريع سيضعفه أكثر مما يعززه، لأن هناك قوى أخرى في دارفور وكردفان لديها خلافات جوهرية مع الدعم السريع”.

أكد تورشين أن مسألة انتقال الحرب إلى شرق السودان أو شماله مرتبطة بشكل وثيق بقوة الدعم السريع. فهو يكتفي بالسيطرة على مناطق معينة في المناطق المحيطة به. وعلى الرغم من ذلك، لا أعتقد أنه سيتجه نحو شرق السودان، لأن ذلك سيؤدي إلى تغيير جذري في الموازين، خاصة أن إريتريا لديها مخاوف وأصدرت تحذيرات بأن أي تقدم نحو شرق السودان يعني دخولها في الحرب. كما أن مصر تخشى أيضاً من توسع الدعم السريع في شرق السودان. كل هذه العوامل يدركها الدعم السريع تماماً، وربما سيكتفي فقط بمحاولة التوسع في المناطق التي لم يسيطر عليها بعد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى