تسريبات

الفاشر.. الحقيقة الغائبة بين تقدم الدعم السريع وعجز الجيش السوداني


منذ اندلاع الصراع في السودان، بقيت مدينة الفاشر بمثابة قلب دارفور النابض ومفتاح السيطرة على غرب البلاد. لكن التطورات الأخيرة كشفت عن تحول جذري في موازين القوى: قوات الدعم السريع تتقدم بثبات وتفرض حضورها العسكري والسياسي، في وقت بدا فيه الجيش السوداني عاجزاً عن حماية معاقله أو استعادة زمام المبادرة.

انهيار منظومة الجيش في دارفور

المتابع للميدان يلحظ أن الجيش السوداني يواجه واحدة من أعقد أزماته. خطوط الإمداد متقطعة، الروح المعنوية متدنية، والقدرات اللوجستية محدودة. مصادر محلية تحدثت عن انسحابات متكررة للوحدات العسكرية من محيط الفاشر، وافتقاد القيادة المركزية لأي خطة واضحة لإدارة المعركة. في المقابل، عززت قوات الدعم السريع مواقعها عبر استراتيجيات حرب العصابات والانتشار الواسع، ما جعلها أكثر قدرة على التحكم في الأرض.

الدعم السريع و”الورقة الإنسانية”

بالتوازي مع التقدم العسكري، يدرك الدعم السريع أن صورته أمام المجتمع الدولي لا تقل أهمية عن مكاسبه الميدانية. لذلك يصر قادته على إيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين في الفاشر والمناطق المجاورة، باعتبار ذلك جزءاً من “شرعية بديلة” يسعى لترسيخها. هذا السلوك يحمل أبعاداً سياسية عميقة: فهو يحاول الظهور بمظهر القوة المنضبطة، مقابل اتهامات الجيش بعرقلة وصول الإغاثة وترك المدنيين في مواجهة المجاعة والنزوح.

التحرك الأمريكي – الخليجي – المصري

التطور الأكثر لفتاً للنظر هو دخول الولايات المتحدة على خط الأزمة عبر مبادرة إنسانية بالشراكة مع الإمارات والسعودية ومصر. المبادرة تهدف لتأمين ممرات آمنة لإيصال المساعدات إلى دارفور، مع التركيز على الفاشر التي تعاني أوضاعاً حرجة. هذا التدخل لا يقتصر على الجانب الإنساني فحسب، بل يعكس إدراكاً متزايداً بأن الفاشر قد تتحول إلى “نقطة كسر” تعيد صياغة مستقبل الحرب، وربما تدفع الأطراف المتصارعة نحو تسويات سياسية قسرية.

بين الشرعية والسلاح

الأحداث في الفاشر تكشف عن معادلة جديدة: من يسيطر على الأرض، ويحمي المدنيين، ويؤمن المساعدات، سيكون الأقرب لشرعية الأمر الواقع. بينما يتشبث الجيش بخطاب “الدولة” دون أن يثبت قدرته على حماية المواطنين أو وقف نزيف المعارك، ينجح الدعم السريع في تقديم نفسه كقوة صاعدة، تجمع بين التفوق العسكري والقدرة على استثمار البعد الإنساني سياسياً.

إن ما يحدث اليوم في الفاشر ليس مجرد معركة تقليدية، بل نقطة تحول استراتيجي قد تحدد هوية الفاعل الأقوى في المشهد السوداني. الجيش يواجه أزمة وجودية تهدد مكانته التاريخية، والدعم السريع يسعى لترسيخ حضوره كلاعب لا يمكن تجاوزه. أما المجتمع الدولي، فبات يقرأ دارفور بوصفها مرآة مستقبل السودان بأسره: إما نموذج لفشل الدولة، أو بوابة لولادة سلطة جديدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى