الضحك على الحرب في السودان
من المآسي يولد الإبداع، ولا ملجأ غير الفن أفضل من الهروب إليه من نير الحرب، وأزيز السلاح، في صراع الإخوة الأعداء بالسودان.
وهكذا وبدافع الرغبة في الحياة، ومواصلة مسيرتها رغم الحزن والقهر بسبب النزوح في السودان، اجتمع عدد مقدر من المبدعين والمسرحيين والموسيقيين والتشكيليين الفارين من نيران الاشتباكات المسلحة بالعاصمة الخرطوم، في دار إيواء بمدينة “ود مدني” حاضرة ولاية الجزيرة (وسط)، من أجل المقاومة عبر الأعمال الفنية.
يقول الفنان والمخرج السوداني، ربيع يوسف الحسن، عن هذه التجربة: “جمعنا مركز إيواء بمدينة ود مدني نحن عدد مقدر من المبدعين المسرحيين والموسيقيين والتشكيليين، وذلك بعد أن فقدنا في رحلة نزوحنا إلى هذا المعسكر الكثير من أحبتنا وممتلكاتنا”.
وأشار الحسن ويعتصر قلبه الألم: “المُحزن بعد أن فقد معظمنا هويته الإبداعية بسبب الحزن والقلق على الذات وعلى الوطن، حاصرنا في معسكر الإيواء الانتظار وكادت الرتابة النيل من عزائمنا، إلا أن الرغبة في الحياة وشغف الانتماء لها دفعانا لخيار المقاومة بدلا عن الاستسلام”.
مقاومة الحرب بالفن
ويضيف: “كانت ورشة بناء العرض المسرحي تلك التي تبادلنا فيها معارف وفنون المسرح دون أن ننسى أن جرحنا الأكبر وحربنا الخرقاء اشتعل أوارها بسبب العنصرية وخطاب الكراهية وتمييزنا ضد النساء والأقليات الإثنية، فكان اشتغال ورشة بناء العرض المسرحي على هذه القضايا/ الجراحات لتكون مضامين عرض مسرحية (متاريس) الذي كان نتاج الورشة”.
ويردف الفنان السوداني: “لأن جرحنا وجرح من نستهدفهم بالعرض من الجماهير جرح كبير، كان حتما علينا ألا ننسى متعة المسرح وضحكاته، تلك التي يعقبها ألم اكتشاف أن الواحد من يحمل جرثومة تلك الأمراض التي أوصلتنا لهذا النزيف الدامي”.
ومضى الحسن قائلا: “ما إن التقينا جمهورا غفيرا متحفزا عند أول عرض بمدينة ود مدني حتى اكتسبنا هوية جديدة هي (المقاومة) هوية أزاحت هويات النزوح والنجاة والعطالة، صرنا مشغولين بالوصول لجماهير هي صاحبة مصلحة في المسرح والفن والحياة”.
أين تسهر هذا المساء؟
بعد انقطاع دام لسنوات طويلة، ظهرت مرة أخرى، في مدينة كوستي بولاية النيل الأبيض (جنوب)، إعلانات “أين تسهر هذا المساء؟”، للترويج للأفلام السينمائية بعد انقطاع دام لأكثر من 27 عاما.
وشرع المثقفون في مدينة كوستي بولاية النيل الأبيض (جنوب) في العمل، من أجل إعادة سينما المدينة إلى الخدمة بعد توقف دام لسنوات طويلة.
ويقول المواطن، عماد هاشم إن “عودة سينما كوستي للعمل مرة أخرى، يعني عودة الوعي لأهل المدينة”.
ويلاحظ هاشم أن “أغلبية أبناء المدينة الذين لجؤوا من الخرطوم يرغبون في برامج مختلفة لكسر الجمود، لذلك شرع الناس في إحياء سينما المدينة”.
وفي الماضي كان يدمن السودانيون ارتياد دور السينما، ولعب كرة القدم، والقراءة، ما جعل البلاد تقف في صدارة الدول التي كانت تشاهد الأفلام بالتزامن مع لندن وباريس ونيويورك.
تاريخ من الترفيه
ويؤرخ لبداية السينما في السودان بالعام 1910، حيث شهد تصوير أول فيلم تسجيلي للمخرج السويسري “دم دافيد” عن رحلة صيد قام بها، وعرض في مدينة الأبيض وسط البلاد في 1912، كأول مدينة تشهد عرضا سينمائيا.
بعدها بدأت السينما في الازدهار خصوصا بعد استقلال البلاد من الاستعمار الإنجليزي في 1956، وافتتحت عشرات دور العرض، لكنها كانت تقتصر على عرض أفلام مصرية وأوروبية وأمريكية دون أفلام سودانية تذكر.
وشهد العام 1970 إنتاج أول فيلم سوداني روائي طويل، بعنوان “أحلام وآمال” للمخرج إبراهيم ملاسي، لكن لم يبلغ مثل هذا النوع، 10 أفلام على مدار 40 عاما.
ويلقي سينمائيون باللائمة على نظام الرئيس عمر البشير، ذي الخلفية الإخوانية بلعبه الدور الأكبر في تحجيم السينما بعد وصوله للحكم في 1989 حيث حلت حكومته مؤسسة السينما في 1991 وأغلقت أيضا نادي السينما.
وغالبية صالات العرض الآن مهجورة وبعضها تعرض للهدم، وما يعمل منها يقتصر على عرض أفلام هندية قديمة مع مستويات إقبال منخفضة جدا.
ومع استمرار الحرب، أعلنت الأمم المتحدة، نزوح 4 ملايين شخص في السودان بسبب الحرب منذ أبريل/نيسان، بينهم 71% في ولاية الخرطوم.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان الماضي، يخوض الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” اشتباكات لم تفلح سلسلة هدن في إيقافها، ما خلف أكثر من 3 آلاف قتيل، أغلبهم مدنيون، وأكثر من 4 ملايين نازح ولاجئ داخل البلاد وخارجها، بحسب الأمم المتحدة.