السودان على مفترق طرق: انهيار الدولة وكارثة صحية تحاصر المواطنين

يشهد السودان اليوم أزمة مركبة تتجاوز حدود ما يمكن وصفه بالأزمة الصحية التقليدية. ما يحدث في ولايات الخرطوم، الجزيرة، والشمالية ليس مجرد تفشي أمراض أو نقص مستلزمات طبية، بل انعكاس لأزمة دولة كاملة عاجزة عن حماية شعبها. حين تتوقف المستشفيات عن تقديم أبسط الخدمات، ويصبح الدواء رفاهية نادرة، يتحول المواطن إلى ضحية نظام سياسي غير قادر على أداء واجبه الأساسي: حماية حياة الإنسان.
-
السودان يغرق في أزمة صحية.. حمى الضنك تنتشر على نطاق واسع
-
17 ولاية سودانية تحت تهديد حمى الضنك.. مخاوف من كارثة صحية
على مدار الأشهر الماضية، شهد السودان انتشارًا واسعًا لحمى الضنك والملاريا، فيما خرج أكثر من 160 مستشفى حكومي وخاص عن الخدمة. الانقطاع المستمر للكهرباء يعطل عمل أجهزة الإنعاش وغرف العمليات والحضانات، بينما يزداد المواطنون ضعفًا أمام هذه الأوبئة نتيجة تدهور الوضع الاقتصادي وانهيار القدرة الشرائية. آلاف الأطفال وكبار السن وأسر بأكملها يعانون من غياب دواء بسيط أو وسائل نقل عاجلة للوصول إلى العلاج.
الدراما اليومية للمواطنين تكشف حجم الكارثة: أم تمشي لساعات مع طفلها المصاب على أكتافها بحثًا عن محلول بسيط، شاب يقطع عشرات الكيلومترات عبر عربات بدائية للوصول إلى مركز صحي، وطبيب يكافح بما تبقى له من معدات محدودة. هذه المشاهد ليست مجرد حكايات مؤلمة، بل تؤكد فشل الدولة في أداء أبسط واجباتها تجاه شعبها.
-
السودان يواجه كارثة صحية: 2500 وفاة بسبب الكوليرا
-
دارفور تواجه الكوليرا.. ضعف الاستجابة الصحية يزيد من خطورة التفشي
لكن الأزمة لا تقف عند الحدود الصحية فقط، بل تمتد إلى الجانب الاقتصادي والاجتماعي. انهيار الجنيه السوداني وارتفاع الأسعار جعل معظم المواطنين عاجزين عن شراء دواء حتى لو كان متاحًا، فيما سوء التغذية وانعدام المياه الصالحة للشرب يزيدان من سرعة انتشار الأمراض. المواطن البسيط الذي يجد نفسه عاجزًا أمام هذه المآسي اليومية، يعيش واقعًا يشبه الحصار اليومي، حيث يلتقي المرض والفقر واللامبالاة في حلقة مفرغة لا تنتهي.
وفي الوقت الذي يغرق فيه المواطنون في معاناتهم، تظهر صور رفاهية قيادات الجيش والنخب الحاكمة في الخارج، بين رحلات سياحية وإنفاق فاحش، وكأن الأزمة لا تعنيهم. هذا التناقض الصارخ يضع تساؤلات كبيرة حول أولويات السلطة ومسؤوليتها تجاه الشعب، ويكشف عن فجوة هائلة بين المواطن والدولة، جعلت من النظام السياسي جزءًا من الأزمة، لا حلًا لها.
-
كارثة صحية تضرب دارفور مع ارتفاع حاد في إصابات الكوليرا
-
دارفور تنهار.. الحرب تغذي المجاعة وتفجّر أزمة صحية حادة
من منظور سياسي، ما يحدث في السودان اليوم يطرح أسئلة أساسية حول الشرعية والجدوى. كيف يمكن لأي نظام أن يطالب بالولاء أو الثقة من شعبه، بينما يترك ملايين المواطنين يموتون بسبب نقص أبسط مقومات الحياة؟ كيف يمكن تفسير استمرار قيادات الدولة في ممارسات الرفاهية والإنفاق الخارجي، في وقت يحتاج الشعب إلى دواء وماء وغذاء؟ إن الإجابة على هذه الأسئلة لا تتعلق فقط بالأخطاء الإدارية، بل بفشل جذري في تصميم الدولة ومؤسساتها.
وفي ظل غياب أي حلول محلية، يظهر الدور الدولي كعامل أساسي لإنقاذ حياة الملايين. المنظمات الأممية ومؤسسات الإغاثة العالمية أصبحت الحاجة إليها عاجلة، ليس فقط لتقديم مساعدات إنسانية، بل لضمان أن تتحرك الدولة السودانية، أو ما تبقى منها، لإعادة تنظيم قطاعها الصحي وتقديم الدعم الفوري. التدخل الدولي لم يعد خيارًا، بل مسؤولية إنسانية عاجلة.
-
أطفال السودان يتلقون ألباناً منتهية الصلاحية.. كارثة صحية تهدد الصغار
-
كارثة صحية في الأفق؟ مرض غريب ينتشر في السودان ويخلّف وفيات
ما يجعل الوضع أكثر مأساوية هو تأثير الأزمة على المجتمع بأكمله. الأوبئة لا تفرق بين غني وفقير، ولكن الضعف الاقتصادي يجعل فئات واسعة أكثر عرضة للموت. التعليم يتأثر أيضًا. إذ تغيب المدارس أو تصبح غير قادرة على استيعاب الأطفال المرضى أو الذين فقدوا آباءهم بسبب الأوبئة. كل هذه العوامل تجعل من الأزمة الصحية كارثة متعددة الأبعاد، تتعلق بالصحة والاقتصاد والتعليم والسياسة. وتشير إلى عمق الانهيار في السودان.
من زاوية رأي سياسي، يمكن القول إن هذه الأزمة تمثل اختبارًا حقيقيًا لمسؤولية الدولة تجاه شعبها. المواطن السوداني لم يعد ينتظر وعودًا أو بيانات رسمية، بل يريد أفعالًا ملموسة: دواء متاح، مستشفيات تعمل، كهرباء مستمرة، نقل عاجل، وحماية من الفقر والجوع. كل يوم يمر دون تحقيق هذه الأساسيات يعني وفاة المزيد من الأبرياء. وهذا وحده يكفي لتقييم أداء الدولة وفشلها الذريع.
-
أزمة صحية خانقة في السودان وسط صمت سلطات الأمر الواقع
-
تحذيرات صحية: تفشي الكوليرا يهدد ملايين السودانيين
كما أن الأزمة تكشف عن أهمية مساءلة السلطة ومحاسبتها. إذا كانت الدولة عاجزة عن حماية مواطنيها، فإن استمرار النظام الحالي بلا مساءلة يصبح مساهمة ضمنية في الكارثة. الصحافة، المجتمع المدني، والمنظمات الدولية يجب أن يكونوا عامل ضغط مستمر على السلطة. لضمان ألا تتحول الأزمة إلى مأساة لا يمكن التراجع عنها.
الخلاصة واضحة: السودان اليوم يعيش أزمة مركبة على كل الأصعدة. انهيار صحي، تفشي وباء قاتل، أزمة اقتصادية خانقة، فجوة بين الشعب والسلطة، كل ذلك يجعل الوضع كارثيًا. الحلول المؤقتة لن تنقذ البلاد، وإنما التحرك السياسي العاجل، المساءلة. والإشراف الدولي هي التي يمكن أن تنقذ حياة الملايين وتعيد الروح لمؤسسات الدولة.
في النهاية، الشعب السوداني يستحق الحياة والكرامة، وليس العيش بين الموت والفقر والمرض. الوقت يمر بسرعة، وكل يوم يمر بدون تدخل عاجل يزيد حجم الكارثة، ويجعل من مأساة اليوم إبادة صامتة للأبرياء. المسؤولية تقع على الجميع: الدولة، المجتمع الدولي، والمنظمات الإنسانية، للتأكد أن السودان لن يغرق أكثر في الفشل والوباء، وأن حياة ملايين السودانيين تظل أولوية لا مساومة عليها.
-
كارثة صحية محتملة.. ضبط زيوت فاسدة في النيل الأبيض
-
الكوليرا تفتك بالسودان.. حصيلة الضحايا ترتفع مع تدهور الخدمات الصحية
-
الحرب السودانية تدمّر المنظومة الصحية: أزمة إنسانية غير مسبوقة تهدد حياة الملايين
