تحقيقات

السودان.. جراح دارفور تتضاعف والجوع يهدد الولاية خلال ثلاثة أسابيع


مناشدات لتدارك الأزمة من خلال إيجاد حل عاجل وخطة إسعافيه لتوفير وضمان انسياب السلع الغذائية والخدمات إلى الإقليم

بينما لا تزال المناوشات والاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع تخبو وتتجدد بين الفينة والأخرى مثيرة البلبلة والاضطراب وموجات النزوح. يواصل مخزون الغذاء الاستراتيجي بولاية دارفور العد التنازلي للنضوب التدريجي نحو العدم والمجاعة. بينما تتوالى الصرخات والتحذيرات الرسمية والشعبية، وقد بدأ شبح الجوع يطرق الأبواب حتى باتت الولاية تقف على حافة المجاعة.

أجراس المجاعة

قرع حاكم الولاية نمر محمد عبدالرحمن مطلع هذا الأسبوع ناقوس الخطر من أن المخزون الاستراتيجي الغذائي بالولاية وصل مرحلة حرجة. وأن الباقي منه يكفي لثلاثة أسابيع فقط، وهي الفترة الباقية لنفاد كل المخزون في وقت لا يزال فيه نزف الدم مستمراً.

وحذر عبدالرحمن من أن الوضع الإنساني في الولاية ينزلق بسرعة نحو الأسوأ في ظل انعدام الغذاء الكافي وغياب الاستجابة الدولية للحاجات الإنسانية على رغم كل الجهود التي بذلتها سلطات الولاية المحلية، لكنها استنفدت قدراتها ولم تعد قادرة على احتواء الأزمة لفترة أطول من ذلك.

وجدد الوالي مناشداته للمجتمع الدولي ومنظمات ووكالات الأمم المتحدة العاملة في المجال الإنساني بسرعة التحرك من أجل إنقاذ الوضع وتقديم المساعدات للمتضررين، مطالباً في الوقت نفسه طرفي الحرب، الجيش والدعم السريع، بوقف القتال والعمل على فتح مطارات إقليم دارفور لاستقبال المساعدات الإنسانية الدولية.

تفاقم سريع

وأشار عبدالرحمن إلى أن خطر تفاقم الأزمة الغذائية السريع في الإقليم بات مؤرقاً ويشكل التحدي الأكبر والأخطر في الوقت الراهن، بخاصة وأن المناوشات التي شهدتها مدينة الفاشر عاصمة الولاية في فترات متقطعة أسفرت عن أعداد كبيرة من النازحين وصلت إلى حوالى 51 ألف أسرة وفق مفوضية اللاجئين، معظمها من بعض أحياء مدينة الفاشر وآخرون من محليتي كتم وطويلة اللتين شهدتا تدهوراً في الأوضاع الأمنية نتيجة المعارك التي وقعت بين الجيش والدعم السريع بداية الشهر الجاري.

وأوضح الوالي أن الهدوء والاستقرار النسبي الذي يشهده الوضع الأمني في الولاية هو نتيجة جهود وتواثق جميع مكونات الولاية القبلية والمجتمعية عبر لجنة الوسطاء والحكماء الأهلية التي تضم القيادات الأهلية والقبلية بالولاية، وتسهم بدور مهم وكبير في الحفاظ على ذلك الهدوء والاستقرار.

غير أن كل ذلك يقابله وضع إنساني كارثي متفاقم بالنسبة إلى النازحين، منوهاً إلى أن وصول القوافل الطبية والصحية إلى الولاية في الآونة الأخيرة أسهم كثيراً في انفراج الوضع الصحي وتخفيف معاناة المواطنين.

استعجال التحرك

وفي الشأن ذاته حذرت منظمة “شباب من أجل دارفور” (مشاد) من تفاقم الوضع الإنساني بسبب النقص الحاد في المواد الغذائية الأساس الذي يعانيه الإقليم، مما يتطلب سرعة التحرك لتلافي هذا الوضع الخطر الذي من شأنه أن يقود إلى كارثة إنسانية قد تتسبب بمجاعة خلال الفترة المقبلة، ما لم يتم تداركه بإيجاد حل عاجل وسريع من خلال خطة إسعافيه لتوفير وضمان انسياب السلع الغذائية والخدمات في الإقليم.

وأوضحت المنظمة أن المواطنين داخل الإقليم باتوا في حاجة ماسة إلى تدخل إنساني عاجل لإغاثة المتضررين الذين تعرضوا لسلب ممتلكاتهم وحرقها على يد الجماعات المسلحة، محذرة من خطورة تدهور الأوضاع الإنسانية التي يعيشها كل السودانيين وبخاصة مواطني دارفور.

إلى ذلك أوضح مصدر في اللجنة العليا للطوارئ الإنسانية التي تتخذ من مدينة بورتسودان مقراً لها أن جملة المساعدات من المواد الطبية والغذائية والإيوائية التي وصلت إلى السودان حتى الـ 16 من يونيو (حزيران) الماضي بلغت 2290 طناً من مانحين عدة.

مخصصات الإقليم

وكشف المصدر عن تخصيص 150 طناً من الأدوية والمستهلكات الطبية لإقليم دارفور بولاياته الخمس بواقع 30 طناً لكل ولاية خلال الفترة الماضية، من دون أن يشير المصدر إلى إرسال أي مواد غذائية إلى الإقليم من اللجنة التي تتولى مهمة استلام وتوزيع المساعدات الإنسانية، وفق مصفوفة معايير تقوم على تقديرات أعداد النازحين بكل ولاية من ولايات البلاد.

وأضاف المصدر أنه وفق إحصاءات تقديرات اللجنة المبنية بلغت أعداد النازحين في الداخل حتى منتصف الشهر الماضي حوالى مليونين، منهم 614 ألف رجل وأكثر من مليون امرأة و227 ألف طفل ونحو 74 ألفاً من فئات أخرى، فيما بلغ إجمال تقديرات كلفة الحاجات الإنسانية المطلوبة من غذاء لإطعام 170 ألف أسرة لفترة ثلاثة أشهر حوالى 35.5 مليون جنيه سوداني (حوالى 60 ألف دولار أميركي تقريباً).

وفي الخرطوم وصفت السفارة الأميركية في تغريدة على حسابها على موقع “إكس” حصيلة المعاناة الإنسانية جراء الحرب المستمرة في السودان بأنها مروعة، مطالبة كلاً من الجيش و”الدعم السريع” بالعمل على تأكيد احترام القانون الإنساني وضمان تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين من دون عوائق، ومحاسبة مرتكبي الجرائم.

وكان السفير الأميركي بالخرطوم جون غودفري احتفى بتوقيع 75 من منظمات المجتمع المدني في السودان على إعلان مبادئ يهدف إلى وقف الحرب في السودان وتحقيق التحول الديمقراطي.

ونشر غودفري عبر حسابه على موقع “أكس” أنه “بينما يتنافس فرقاء الصراع على التدمير نحتفي بجهود الناشطين المدنيين الذين توحدوا من أجل سودان ينعم بالحرية والسلام”.

وكان وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث حذر من أن إقليم دارفور يتجه بسرعة نحو كارثة إنسانية، وأنه لا يمكن للعالم السماح بحدوث ذلك مرة أخرى، مشيراً إلى أن التقارير المتواترة عن أعمال قتل عرقية أودت بحياة مئات الأشخاص في مدينة الجنينة وحدها يجب أن تدفع العالم إلى التحرك.

كما أطلق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش تحذيرات نهاية يونيو (حزيران) الماضي خلال مؤتمر جنيف الدولي الذي تعهد فيه المانحون بتقديم نحو 1.5 مليار دولار للمساعدة في تخفيف الأزمة الإنسانية في السودان والدول المجاورة التي تستضيف لاجئين، من أن السودان يغرق في الموت والدمار بسرعة غير مسبوقة.

وأوضح منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة مارتن غريفيث في ختام المؤتمر المبلغ المتعهد به للاستجابة الإنسانية في السودان والمنطقة بأنه لا يمثل سوى نصف المطلوب الذي تقدره الوكالات الإنسانية، وأن الأزمة تتطلب دعماً مالياً مستداماً.

مستويات خطرة

من جانبها حذرت منظمة الصحية العالمية من أن الأزمة الصحية في السودان بلغت مستويات خطرة للغاية، إذ لا يزال أكثر من ثلثي المستشفيات خارج الخدمة وسط تقارير عن شن هجمات متزايدة على المرافق الصحية.

وأكد بيان المنظمة التحقق خلال الفترة ما بين الـ 15 من أبريل الماضي إلى 24 يوليو الجاري من وقوع 51 هجوماً على المرافق الصحية تسبب في وفاة 10 أشخاص وإصابة 24 آخرين، فضلاً عن انقطاع طرق الوصول إلى الرعاية الصحية لمن هم في أمس الحاجة إليها.

ووصفت ممثلة المنظمة في السودان نعمة سعيد حجم الأزمة الصحية بأنه هائل، مؤكدة العمل بجد لتكثيف الاستجابة المطلوبة وتقديم الإمدادات الطبية الحرجة وغيرها من الحاجات الصحية الطارئة، على رغم أن الهجمات على المرافق الصحية وانعدام الأمن يزيدان حجم التحديات، لكن المنظمة مصممة على الوصول إلى المحتاجين وتحث المانحين على زيادة دعمهم حتى تتمكن المنظمة من تقديم الخدمات بشكل مناسب.

تشريد ومآس

وفي منتصف أبريل الماضي اندلعت الحرب في الخرطوم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وسرعان ما تمددت من العاصمة الخرطوم إلى ولايات دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وتسببت بنزوح ولجوء أكثر من 3.5 مليون سوداني وفق منظمة الهجرة الدولية، مهددة بجر البلاد إلى حرب أهلية شاملة وطويلة، فضلاً عما خلفته من أزمة إنسانية كارثية جعلت أكثر من نصف السودانيين في حاجة ماسة إلى معونات غذائية عاجلة.

وقدر بيان للمنظمة إجمال عدد النازحين داخل السودان بأكثر من 2.6 مليون، إضافة إلى لجوء حوالى 844 ألف شخص إلى مصر وليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان وأثيوبيا، موضحة أن غالبية الفارين عبروا إلى تشاد بنسبة 36 في المئة تليها مصر بـ 30 في المئة ثم جنوب السودان بـ 22 في المئة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى