الدعم السريع توسّع استخدام المسيّرات ضد الجيش في كوستي

تتزايد قدرة قوات الدعم السريع على شنّ ضربات نوعية ضد الجيش السوداني، وسط تصعيد مستمر في النزاع المسلح الذي تشهده البلاد منذ أكثر من عام. أحدث فصول هذا التصعيد كان في مدينة كوستي بولاية النيل الأبيض، حيث نفذت طائرات مسيرة هجمات مركزة استهدفت مواقع عسكرية ومدنية حيوية، مما يعكس تحوّلًا استراتيجياً في أسلوب المواجهة، ويطرح تساؤلات حول موازين القوى في الصراع السوداني.
وأعلن مجلس السيادة الانتقالي في بيان رسمي، أن مواقع بالغة الأهمية، من بينها محطة “أم دباكر” لتوليد الطاقة الكهربائية – إحدى أكبر المحطات في السودان – قد تعرضت للقصف بطائرات مسيرة، إلى جانب مستودعات للوقود ومطار كنانة ومقرات عسكرية، ما أدى إلى وقوع أضرار مادية كبيرة وانقطاع مؤقت في التيار الكهربائي بعدة مناطق.
كما أكد البيان أن مقر الفرقة 18 مشاة، التابعة للقوات المسلحة السودانية، كان من بين الأهداف الرئيسية للهجوم، حيث اشتعلت النيران في أجزاء من المستودعات العسكرية، فيما تصاعدت أعمدة الدخان فوق المدينة لساعات، وسط حالة من الذعر في أوساط السكان.
⭕️ بيان صحفي
مجلس السيادة الانتقالي١٤-٩-٢٠٢٥م pic.twitter.com/4XxeB5dZK5
— مجلس السيادة الإنتقالي – السودان (@TSC_SUDAN) September 14, 2025
وبات استخدام الطائرات المسيرة السلاح الأبرز في ترسانة الدعم السريع خلال الأشهر الأخيرة، ويشكل تطوراً لافتاً في مسار الحرب. فبينما اعتمدت القوات سابقاً على تكتيكات الأرض، فإن تحوّلها إلى استخدام “الدرونز” يضع الجيش أمام معادلة جديدة يصعب احتواؤها بسهولة، خصوصاً مع محدودية أنظمة الدفاع الجوي لدى القوات المسلحة في بعض المناطق.
وشهدت منصات التواصل الاجتماعي تداول مقاطع مصورة، تُظهر الطائرات المسيّرة وهي تحلّق على ارتفاعات منخفضة فوق مدينة كوستي، متجنبة الرادارات، في هجمات اعتُبرت الأكثر جرأة منذ بدء النزاع. وبحسب شهود عيان، فإن الانفجارات الناتجة عن القصف هزت أرجاء المدينة فجر الأحد، وأحدثت أضرارًا واسعة في البنية التحتية.
كما تم استهداف مطار كنانة – المستخدم عسكرياً من قبل الجيش – ما يُعدّ ضربة استراتيجية لقواته في وسط البلاد. ويأتي ذلك بعد يوم واحد فقط من محاولة استهداف منشآت مماثلة في مدينة الأبيض بإقليم كردفان، تمكّنت خلالها الدفاعات الجوية من إسقاط عدد من الطائرات.
في سياق متصل، تتواصل الاشتباكات الميدانية في مناطق مختلفة من البلاد. فقد أفادت مصادر محلية بأن قوات الدعم السريع أحرزت تقدماً غرب مدينة الأبيض، بعد سيطرتها على بلدة العيارة. كما أعلنت في بيان نشرته على حسابها في “تلغرام”، استعادة السيطرة على منطقة كازقيل الاستراتيجية، الواقعة جنوب المدينة.
وبحسب البيان، تم نشر تعزيزات عسكرية على مداخل كازقيل لتأمينها من أي هجمات مضادة. وحتى الآن، لم يصدر تعليق رسمي من الجيش السوداني على هذه التحركات، في حين تزايدت التحذيرات من تفاقم الوضع الإنساني نتيجة المعارك المتواصلة.
تأتي هذه التطورات في وقت تتزايد فيه الضغوط الدولية على الأطراف المتحاربة. فقد أصدرت الرباعية الدولية – التي تضم الولايات المتحدة، السعودية، مصر، والإمارات – بيانًا دعت فيه إلى وقف فوري للقتال واستئناف المسار السياسي. لكن على الأرض، لم تظهر أي مؤشرات لالتزام الأطراف بتلك الدعوات.
وفي خطوة اعتُبرت تحذيرية، أعلنت واشنطن فرض عقوبات على إبراهيم جبريل، وزير المالية في الحكومة السودانية، المقرب من الجيش، وعلى كتيبة موالية له، متهمة إياها بارتكاب انتهاكات خلال الحرب. غير أن فعالية هذه العقوبات في تغيير سلوك الأطراف تظل محل تساؤل، خصوصاً في ظل تصاعد العمليات العسكرية وتعقيد المشهد السياسي والعسكري.
وفقاً لمحللين عسكريين، فإن قوات الدعم السريع تعتمد على حرب العصابات والتكتيكات المرنة في مواجهتها مع الجيش، مع الاستفادة من ضعف منظومات الدفاع الجوي في عدد من المواقع. واستخدام الطائرات المسيّرة بات يُمكّنها من توجيه ضربات دقيقة دون خسائر بشرية مباشرة، مما يزيد من فاعلية عملياتها، ويؤثر معنوياً على الطرف الآخر.
ويرى خبراء أن استمرار هذا النوع من الهجمات قد يُعيد رسم خارطة السيطرة، خاصة إذا استهدفت مواقع استراتيجية مثل المطارات، محطات الكهرباء، والمخازن العسكرية. كما أن الهجمات على البنية التحتية – رغم أنها تُدين دولياً – تشكل ضغطًا مزدوجًا على الحكومة السودانية، داخليًا وخارجيًا.
الهجوم على كوستي وما تلاه من عمليات في الأبيض، يؤكد أن الدعم السريع بات يمتلك قدرة عملياتية متقدمة تمكنه من شن هجمات متزامنة في أكثر من محور. وفي ظل غياب تسوية سياسية، وعدم التزام الأطراف بوقف القتال، يبدو أن البلاد مقبلة على مرحلة أكثر عنفًا، حيث تتقاطع فيها حسابات الداخل مع صراعات النفوذ الإقليمي والدولي.
