أحداث

الحاجة المصرية لإنقاذ السودان

محمد أبـوالفضــل


يمثل المؤتمر الذى تستضيفه القاهرة يومى السبت والأحد المقبلين للتباحث بشأن الأزمة السودانية تطورا مهما فى هذه المرحلة الدقيقة، والتى تشهد فيها البلاد قتالا ضاريا فى أماكن متفرقة، تتجاوز الخرطوم ودارفور، حيث امتدت الاشتباكات إلى الوسط والجنوب الشرقى من البلاد. بعد أن دخلت قوات الدعم السريع ولاية الجزيرة، وأوشكت السيطرة على ولاية سنار المهمة. بما يشير إلى الاقتراب من مشارف شرق السودان، ويعد دخول هذه المنطقة إنذارا بأن الحرب دخلت مرحلة جديدة أشد قسوة.

يعبر ترحيب قوى سوادنية وإقليمية ودولية بمؤتمر القاهرة عن أنه فرصة جيدة يجب استثمارها، وينطوى على أهمية سياسية ملحة لوقف الحرب بين قوات الجيش والدعم السريع. والتى دخلت عامها الثانى من دون أن تظهر مؤشرات واضحة على إمكانية وقفها أو كبح تداعياتها الإقليمية، فى ظل تشبث كل طرف بشروطه للعودة إلى طاولة المفاوضات. وعدم إتاحة الفرصة للتوصل إلى قواسم تستند إلى رؤية سوادنية خالصة، بلا إملاءات أو ضغوط من أى طرف خارجى، وهو الموقف المصرى الثابت .الذى يريد معالجة الأزمة من جذورها وإيجاد حل سياسى شامل لها قريبا.

وتؤكد الدعوة إلى المؤتمر وتوسيع نطاق المشاركة فيه الحاجة. للبحث عن وسائل تؤدى إلى وقف الحرب نهائيا، فمع انسداد المبادرات الإقليمية وتراجع الرهان على نجاح بعضها. تسعى القاهرة إلى عدم إتاحة الفرصة لاستمرار الفراغ السياسى الذى يدفع كل طرف نحو التمسك بمواصلة القتال. أملا فى إرهاق الطرف الآخر من خلال تكبيده خسائر فادحة تجبره على الرضوخ والاستستلام.

تشير تطورات المعارك فى أماكن عدة إلى أنه مهما يكن حجم الخسائر .فلن يستسلم الطرف الأكثر إرهاقا أو هزيمة فى الحرب، وربما العكس. إذ سيكون مضطرا للبحث عن قنوات جديدة للحصول على دعم عسكرى منها، والانفتاح على جهات خارجية توفر له الأسلحة التى يحتاجها. مقابل تقديم تنازلات إستراتيجية لها، ما يعنى تصاعد حدة المعارك لأطول مدة ممكنة. وتداخل أوراقها الداخلية مع الخارجية، فالتصورات العامة والسياقات التى انطلقت منها الحرب حولتها إلى معركة صفرية قهرية. أو بمعنى أدق صعوبة تفاهم الطرفين حول أسس وطنية مشتركة، ما يفرض من على من سيجتمعون فى القاهرة مراعاة المواقف الحدية لدى الطرفين المتقاتلين.

ومع ذلك فالخبرة التاريخية التى ولدتها حروب سابقة وقعت فى السودان، لا تستبعد حدوث تفاهمات سياسية عند لحظة معينة. فغالبية الحروب مرت بفترات صعود وهبوط ثم هدوء. حيث جرى وقفها فى النهاية، بعد تقديم تنازلات وتضحيات كبيرة.وما يحتاجه السودان فى هذه المرحلة جرأة عالية لمواجهة هذه المشكلة قبل استفحالها وعدم السيطرة على روافدها الإقليمية. لأن النتائج التى سوف تتمخض عنها الحرب سوف تمتد آثارها القاتمة فى الداخل والخارج.

تكفى مشاهد الدمار التى تعرض لها السودان وأدت إلى تغيير بعض ملامحه الرئيسية. فمن غادروه قبل نحو عام لن يستطيعوا الوصول إلى منازلهم أو التعرف على المعالم الشهيرة فى كثير من المدن المهدمة، فالعشوائية التى خيمت على الحرب غيرت كثيرا فى مكونات الدولة وهياكلها الرئيسية. حجرا، وبشرا أيضا، حيث أحدثت تغييرا فى الشخصية السودانية. وأحدثت تشويها فى توجهات مجموعة كبيرة من المواطنين الذين لا يعرف الكثير منهم أين يقفون سياسيا، ومن يؤيدون. وما هو مصير بلدهم الذى خبروه عبر سنوات طويلة، وهل أصبح اللجوء والنزوح والفرار خيارا دائما؟

قد تكون هذه المحنة كشفت عن أجمل وأسوأ ما فى السودانيين. لكنها لم تغير حبهم لبلدهم وتطلعهم إلى عودة الهدوء والأمن والاستقرار فى أقرب وقت. ما يجعل التعامل إيجابيا مع المؤتمر المصرى الذى يهدف إلى وضع نواة تساعد على إنهاء هذه المأساة والابتعاد عن التراشقات والمعارك المستعرة بالكلمات على مواقع التواصل الاجتماعى. فالحرب وقعت وكى يتم وقفها من المهم وجود حد أدنى للتوافق حول أسس تحقق هذا الهدف، فكل يوم يمر على السودان تزداد فيه الخسائر البشرية والمادية.وفى العالم ما يكفى من حروب ونزاعات وصراعات، تظهر ما يجرى فى السودان الآن هامشيا بالنسبة لها، وما لم ينبع الحل من داخل السودانيين أنفسهم، وبمساعدة قوى إقليمية يهمها أمنهم واستقرارهم. فى مقدمتتها مصر، فسوف يتواصل الاقتتال الأهلى، ولا أحد يعلم المدى الذى يمكن أن يذهب إليه.

ومن المؤكد أن هناك مصلحة مصرية إستراتيجية لوقف القتال فى السودان عاجلا. ومن المؤكد أيضا أن القاهرة بذلت وتبذل جهودا كبيرة لتحقيق هذا الهدف. لأن ما يدور فى أراضيه يهدد الأمن القومى من جهة الجنوب مباشرة، واستمرار الكر والفر فى ولايات عدة وصعوبة السيطرة على تطوراتها لن يمكن أى قوة من الوصول إلى انتصار حاسم فى ميادين القتال المتشابكة، بل يوفر أجواء لنمو الحركات المسلحة والميليشيات والمرتزقة، ويقدم فرصة لتغول الجماعات المتطرفة فى السودان. يمكن أن تتلاحم مع انتشارها فى غرب وشرق إفريقيا، ويصبح الوسط الإفريقى عاجا بها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى