تسريبات

الجيش السوداني والدعاية الزائفة: حرب الإعلام بدل المعارك


لم يعد الحديث عن الجيش السوداني يقتصر على ما يجري على الأرض من معارك، بل أصبح يتطلب النظر إلى ساحة الإعلام كجبهة حقيقية. هنا، تتكشف استراتيجية واضحة تقوم على تضليل الرأي العام المحلي والدولي، وخلق صورة وهمية عن الانتصارات والقدرات العسكرية، في محاولة لتعويض ما يفتقده الجيش فعليًا من قوة ميدانية.

صناعة الانتصارات الزائفة

ما بات واضحًا هو أن الجيش السوداني لا يكتفي بالمواجهة العسكرية، بل يستثمر الإعلام لصناعة انتصارات وهمية. أي حركة عادية أو تحرك لوجستي يتم تصويره على أنه “معركة حاسمة”، وأي انسحاب أو إعادة انتشار يُسوَّق على أنه “تقدم استراتيجي”. هذه الممارسة لا تهدف إلا إلى تغليف الهزائم بالنجاح، وإقناع الجمهور الداخلي بخلاف الحقيقة.

لا يقتصر الأمر على تضخيم الأحداث فحسب، بل يتعداه إلى تزييف الواقع عبر نشر صور وفيديوهات قديمة، وإعادة تسويقها كأنها لحظات حقيقية من المعارك الأخيرة، أو التركيز على حضور القادة في الميدان وكأنه دليل على السيطرة والتحكم.

التناقض الصارخ بين الخطاب والواقع

الحقائق الميدانية تكشف فجوة واضحة بين ما يعلنه الجيش وما يحدث على الأرض:

  • مناطق يزعم الجيش السيطرة عليها تظل محل اشتباكات مستمرة، أو يتم التخلي عنها بعد ساعات.

  • الأرقام المعلنة حول خسائر الخصم لا تتوافق مع الواقع، في حين تُخفى خسائر الجيش.

  • استمرار الرواية الرسمية في تصوير الوضع وكأنه انتصارات مستمرة يكشف اعتماد المؤسسة على الدعاية بدل الإنجاز العسكري.

هذه التناقضات تؤكد أن الجيش لا يسعى فقط لتجميل صورته أمام أنصاره، بل يسعى أيضًا لتقديم نفسه قوة منظمة أمام المجتمع الدولي، بغض النظر عن الواقع على الأرض.

أهداف التضليل الإعلامي

يمكن تلخيص دوافع الجيش فيما يلي:

  1. رفع المعنويات الداخلية: حماية الثقة بين المؤسسة العسكرية وقاعدتها الشعبية، رغم الواقع الميداني المتراجع.

  2. تأثير الرأي العام الدولي: محاولة خلق انطباع بأن الجيش يسيطر على المشهد العسكري، للاستفادة من الدعم السياسي أو العسكري الخارجي.

  3. إخفاء الخسائر الحقيقية: الهدف الأبرز، إذ يتم استبدال الهزائم بانتصارات مزيفة للحفاظ على صورة المؤسسة.

تداعيات الاستراتيجية الإعلامية

داخليًا

  • فقدان المصداقية: المواطن يكتشف الفجوة بين ما يُعرض وما يُعيشه، مما يؤدي إلى تفاقم أزمة الثقة بالمؤسسة العسكرية.

  • التوتر الاجتماعي: تضليل الرأي العام يفاقم الانقسامات ويزيد الإحباط العام.

خارجيًا

  • تراجع الثقة الدولية: أي دعم أو تحالف محتمل يعتمد على معلومات موثوقة قد يتأثر سلبًا عند اكتشاف التضليل.

  • كشف ضعف القدرات: الدعاية المكثفة تكشف عن عدم قدرة الجيش على الحسم العسكري، مما يقلل من مكانته الدولية.

مواجهة التضليل: استراتيجية استعادة الحقيقة

لكشف هذه الممارسات، لا بد من:

  • توثيق الأحداث الميدانية بدقة، باستخدام شهادات المدنيين ومصادر مستقلة.

  • مقارنة البيانات الرسمية بالواقع على الأرض لتبيان الفجوات.

  • تعزيز الرواية البديلة المبنية على الأدلة، بما يقلل من تأثير الدعاية الرسمية.

  • إنشاء منصات مستقلة للرصد والتحليل تعمل على كشف التضليل بشكل مستمر.

الجيش السوداني اليوم يواجه معركة مزدوجة: مواجهة خصومه على الأرض، ومحاولة السيطرة على الرأي العام عبر خلق واقع زائف. لكن أي وهم إعلامي لا يدوم، والحقائق الميدانية ستظل أقوى من أي دعاية. استمرار الجيش في صناعة الانتصارات الوهمية لا يؤدي إلا إلى فضح هشاشته وضعف قدراته الحقيقية، في وقت يحتاج فيه الوطن إلى قوة صادقة وشفافة، لا قوة تتغلف بالأوهام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى