إخوان السودان.. رصاص الفشل الميداني يصيب تشاد
«أشعلت فتيل الأزمة.. ثم فشلت في احتوائها، فسعت لتصديرها للخارج».. هكذا قرأ خبراء الأزمة بين السودان وتشاد، ودور تنظيم الإخوان في إشعالها ومحاولة تصديرها للخارج للتغطية على الفشل الداخلي.
وأكد خبراء ومحللون منذ انطلاق الرصاصة الأولى في حرب السودان 15 أبريل/نيسان الماضي سيطرة “تنظيم الإخوان” على مجريات العنف والاقتتال ومحاولاته عرقلة العملية التفاوضية في جدة السعودية، للعودة إلى السلطة مرة أخرى.
وكانت أزمة دبلوماسية اندلعت بين البلدين إثر اتهام السودان لتشاد بالانخراط في الحرب بالداخل والمساهمة في تسهيل إيصال أسلحة لقوات الدعم السريع، وأعلن عن عدد من دبلوماسييها غير مرغوب فيهم، وهو ما نفته تشاد، وردت تشاد بطرد دبلوماسيين سودانيين.
وبحسب خبراء فإنه “عقب فشل التنظيم ميدانيا في حربه بالداخل، وتقدم الدعم السريع وسيطرتها على كثير من المدن والمناطق، فقد سعى التنظيم إلى تصدير الأزمة للخارج، في محاولة بائسة لخلق (عدو خارجي) يعيد التفاف الشعب حوله بعد انكشافه، والإيهام أن الأبعاد الإقليمية تلعب دورا أكبر في الأزمة للتملص من تهمة حرق البلاد من أجل العودة إلى المشهد السياسي”.
تصدير الأزمة
“توهم الإخوان عندما أشعلوا الحرب، بتحقيق النصر خلال ساعات معدودة أو أيام على أسوأ الفروض، لكن عندما اندلع الحريق الشامل، يريدون الهروب وإلقاء التهم جزافا على دول الجوار وخاصة تشاد وكينيا وأفريقيا الوسطى”.. هكذا أكد الكاتب والمحلل السياسي، عباس عبد الرحمن.
ويقول عبد الرحمن إن “دولة تشاد ظلت على الدوام تقف إلى جانب السودان في أوقاته العصيبة، لكن الاتهامات بتقديم الدعم لقوات الدعم السريع، يعود إلى التنصل من المسؤولية وعدم القدرة على تحقيق النصر العسكري.”
وأوضح عبد الرحمن”تنظيم الإخوان يريد تحميل المسؤولية لدول الجوار والتنصل من المسؤولية بعد أن طالت الحرب كل الولايات تقريبا، وعدم تحقيق أي نصر عسكري على أرض المعركة منذ اندلاع الصراع في أبريل الماضي.”
«تغطية العجز الميداني»
من جانبه، أكد الكاتب والمحلل السياسي، عبد اللطيف أبو بكر، أن “وزارة الخارجية السودانية تحت سيطرة الإخوان، وعلى رأسهم الوزير علي الصادق، والوكيل دفع الله الحاج علي، وهما من تقع على عاتقهم تصعيد الموقف مع تشاد، للتغطية على العجز العسكري من قبل الجيش والمليشيات الإرهابية في ميدان القتال، وتحميل المسؤولية لدول الجوار.”
وأشار أبو بكر إلى أن “سقوط مدن دارفور غربي البلاد تحت قبضة الدعم السريع، أزعج السلطات السودانية كثيرا، وكان لا بد من تحميل المسؤولية إلى طرف ثالث.”
من جانبه، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي، الجميل الفاضل، أنه “السياسة الخارجية لأي دولة ما هي في الحقيقة سوى انعكاس لتطورات وتفاعلات أوضاعها الداخلية المتغيرة.”
وأشار الفاضل أن “التحالفات الإقليمية في المنطقة لها أثر كذلك على مثل هذه العلاقات التي تحكمها وتحركها رياح مصالح متغيرة كذلك.”
دور تشاد منذ بدء الأزمة
ومند اندلاع المواجهات المسلحة بين الجيش السوداني، وقوات “الدعم السريع” منتصف أبريل/نيسان الماضي، أعلنت تشاد إغلاق حدودها التي يبلغ طولها 1403 كيلومترات، على أن تظل مغلقة حتى إشعار آخر، إلا أن أيادي الاتهامات طالتها بتغذية الصراع في محاولة للتغطية على الفشل الميداني، وسقوط المدن واحدة تلو الأخرى كقطع الدومينو.
وعادة ما يعول السودان على الجارة تشاد للعب دور إيجابي في إقليم دارفور المضطرب، بحكم الجوار التشادي الجغرافي، والتداخل القبلي مع الإقليم. إذ تنتشر قوات سودانية تشادية مشتركة في نحو 20 موقعا حدوديًا بين البلدين.
ووقع البلدان العام 2009، اتفاقية أمنية بنشر قوة مشتركة لتأمين الحدود بينهما، ومنع أي طرف من دعم المتمردين في الطرف الآخر، حيث كان البلدان يتبادلان اتهامات في هذا الشأن.
وفي 17 أبريل/ نيسان الماضي، أعلنت وزارة الدفاع التشادية، توقيف مئات الجنود السودانيين، ونزع أسلحتهم، بعد دخولهم الأراضي التشادية.
كما أجرى الرئيس التشادي، محمد إدريس ديبي، اتصالين هاتفيين مع قائدي الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، و”الدعم السريع“، محمد حمدن دقلو “حميدتي” ودعاهما إلى الحوار، واستنكر المواجهات المسلحة.
وبعد 10 أيام من اندلاع الحرب نفت وزارة الخارجية التشادية اصطفافها مع أي من طرفي النزاع المسلح في السودان، ودعت إلى وقف للحرب والتوصل إلى تسوية سلمية.
تصعيد دبلوماسي
ومع تسارع وتيرة القتال، ذكرت وزارة الخارجية السودانية، (ليل الأحد) أنها أخطرت نظيرتها التشادية بقرار إعلان 3 دبلوماسيين عاملين في سفارة تشاد بالسودان أشخاصا غير مرغوب فيهم.
وتصاعد التوتر بين البلدين خلال الأسبوعين الأخيرين في أعقاب اتهام الجنرال السوداني، ياسر العطا لتشاد بـ”تيسير نقل مساعدات عسكرية ولوجستية لقوات الدعم السريع التي تقاتل الجيش منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي”، وهو ما نفته تشاد.
والسبت الماضي، قالت الخارجية الشادية، إنها أبلغت السفير السوداني، في انجمينا بأن 4 دبلوماسيين سودانيين باتوا أشخاصا غير مرغوب فيهم وأن عليهم مغادرة البلاد خلال 72 ساعة، بعد 3 أيام من احتجاج رسمي قدمته الخارجية التشادية للسفير السوداني، على تصريحات العطا ومطالبتها الخرطوم بتقديم اعتذار رسمي.
ورفض وزير الخارجية السوداني المكلف، علي الصادق الأسبوع الماضي، الاعتذار إلى دولة تشاد قائلا: إن “تصريحات ياسر العطا كانت مبررة، وأن انجمينا تسلمت من الخرطوم صور أقمار صناعية تثبت توفيرها ممرات لوجستية لإمداد قوات الدعم السريع بالسلاح”.
وبحسب وكالة أنباء السودان الرسمية، فإن الدبلوماسيين التشاديين عليهم مغادرة البلاد خلال مدة أقصاها 72 ساعة من تاريخ الإخطار، وذكرت أن الخطوة التي أعلنتها الخارجية السودانية تأتي استنادا على مبدأ المعاملة بالمثل”.
والدبلوماسيون المبعدون هم: “إدريس يوسف عمر، نائب رئيس بعثة تشاد لدى السودان، والعقيد نصر الدين محمدين روقي، الملحق العسكري، والملحق الفني، محمد طاهر ترجوك”.
مخاوف إقليمية
ومنذ بداية الحرب، تحول السودان إلى مصدر مخاوف إقليمية ودولية متزايدة، لما تحمله من تداعيات خطِرة تهدد دول الجوار، والأمن الإقليمي والدولي بشكل عام.
وفي فبراير/ شباط 2018، اتفق السودان وليبيا وتشاد والنيجر في نيامي على وضع خطة دبلوماسية عسكرية أمنية مشتركة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، خاصة في منطقة الساحل.
وتتكامل الخطة مع بروتوكول التعاون الأمني بين الدول الأربع الذي وضعت مسودته خلال اجتماع في العاصمة التشادية انجمينا في مايو/أيار من العام نفسه.
غير أن جهود القوات المشتركة ظلت تسير ببطء مع تسارع وتيرة التهديدات المستمرة، وتحول بعض المناطق الحدودية إلى بؤر خطرة للتنظيمات الإرهابية، ونشاط التهريب والمجموعات المسلحة المعارضة.
وأفضى فشل إحكام قبضة القوات المشتركة السودانية – التشادية على الحدود بين البلدين، إلى تعرض مناطق غرب دارفور الممتدة على الحدود الطويلة إلى تفلتات أمنية وزيادة حدة نشاط الجماعات المسلحة في عمليات النهب وقتل المواطنين.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023 يشهد السودان حربا بين الجيش و”الدعم السريع” خلَّفت أكثر من 9 آلاف قتيل، فضلا عما يزيد على 6 ملايين نازح ولاجئ داخل البلاد وخارجها، وفق الأمم المتحدة.