أحداث

صراع السودان يدفع دارفور إلى الهاوية


دمار هائل خلفته الحرب في السودان، لكنها لم تكتفِ بتدمير البنية التحتية، بل امتدت لتفتك بأرواح الأبرياء عبر مجاعة لا تبقي ولا تذر.

ففي أعماق الصحراء السودانية، حيث الحروب لا تهدأ والجوع يفتك، يموت يومياً العشرات من الأشخاص، وتحولت مخيمات النازحين في دارفور إلى مقابر جماعية، في ظل مواجهة الآلاف شبح المجاعة.

أطفالٌ نحيلون، نساءٌ يئسن، رجالٌ فقدوا الأمل، جميعهم يترجون لقمة عيش، بينما الموت يحدق بهم من كل جانب وسط عالم مضطرب ومخاوف من النسيان.

ووفق محللين فإن إعلان حالة المجاعة في دارفور يمثل فشلاً ذريعاً للمجتمع الدولي الذي فشل في إنهاء الصراع بين الجنرالات.

“هناك مجاعة تامة في معسكر زمزم”، هذا ما ذكره تقرير للجنة الخبراء المجاعة، الخميس، وتعد هذه هي المرة الثالثة فقط التي يتم فيها إعلان المجاعة منذ إنشاء المعيار المعترف به دوليا، قبل عشرين عاما، والمعروف باسم (التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي)، ويرتبط عمل لجنة الخبراء بهذا المعيار.

وبحسب خبراء ومسؤولين في الأمم المتحدة فإن تصنيف البلاد على أنها دولة مجاعة قد يؤدي إلى صدور قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يمنح الوكالات القدرة على توصيل الإغاثة عبر الحدود إلى المحتاجين.

ويبلغ عدد سكان معسكر زمزم، الذي يقع جنوب مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، على بعد حوالي 12 كيلو مترات زهاء نصف مليون نازح.

ووفق أحدث تقرير أصدره الأمن الغذائي في 27 يونيو/حزيران الماضي، فإن 25.6 مليون سوداني يعانون من الجوع الشديد، بينهم 755 ألف شخص في مرحلة المجاعة، ويقترب نحو 8.5 مليون شخص آخر من هذه المرحلة.

شح الغذاء والدواء

ويقول المتحدث الرسمي باسم المنسقية العامة للنازحين واللاجئين، آدم رجال “لم تصل الإغاثة منذ اندلاع الحرب العبثية في 15 أبريل (نيسان) حتى الآن، إلا جزء يالسير جدا وفي حالات نادرة، ولا يوجد طعام في كل المعسكرات ولا حتى في المجتمعات المضيفة”.

وأضاف رجال “يموت يوميا في معسكرات النازحين بدارفور بمتوسط ما بين 20 – 25 شخص من بينهم الأطفال والنساء الحوامل والأمهات والعجزة والمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة بسبب سوء التغذية الحاد وشح الغذاء وانعدام الدواء والعلاج”.

 وتابع: “هذا الوضع المذري ليس فقط في دارفور بل في أغلب مناطق السودان، الأكل استنفد والطرق والممرات لعبور المساعدات الإنسانية مغلقة، والناس لم تزرع في الموسم الماضي بسبب التعقيدات الأمنية، وحتى جزء بسيط من المواد المتوفرة في الأسواق المحلية أسعارها غالية جدا والناس ليس لديهم سيولة نقدية لا يستطيعون الشراء”.

ومضى قائلا: “يجب على لجنة خبراء الأمم المتحدة أن يعمم هذا الوضع الموجود بمخيم زمزم على كافة المخيمات والمناطق الأخرى في دارفور في ولايات كردفان وجبال النوبة والنيل الازرق والنيل الأبيض والخرطوم والجزيرة وكسلا، وغيرها”.

موت الأطفال جوعا

“الإعلان يؤكد ما كنا نخشاه منذ شهور؛ بعد معاناتهم من وطأة الصراع لأكثر من عام، فإن أطفال السودان يموتون الآن بسبب الجوع”، هذا ما ذكرته منظمة “بلان إنترناشونال”، حول أحدث تقارير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي وإعلان المجاعة لأول مرة في العالم منذ سبع سنوات، بمعسكر زمزم في شمال دارفور.

“لم يفت الأوان بعد لمنع انتشار المجاعة إلى أجزاء أخرى من البلاد”، وفق برنامج الأغذية العالمي حول المجاعة في مخيم “زمزم”؛ إثر تأكيد مرصد التصنيف المتكامل لمراحل الغذاء على المجاعة الثالثة في العالم خلال عشرين عاما، والأولى منذ سبع سنوات، داعيا إلى السماح للشاحنات بالمرور الآمن والوصول غير المقيد إلى مناطق الجوع لإنقاذ الأرواح.

ويقول المواطن، عبد الله منصور، إن الناس تموت يوميا في دارفور سواء بالجوع أو القذائف العشوائية أو القصف الجوي.

وأوضح منصور  “على طرفي الصراع العبثي وقف الحرب فورا دون قيد أو شرط حفاظا على النساء والأطفال”.

وأضاف “الناس لا يجدون ما يأكلونه، وهطول الأمطار ضاعف الكارثة الإنسانية”.

في الأثناء، أشارت شبكة الإنذار المبكر  (موقع للمعلومات والتحليلات حول انعدام الأمن الغذائي)، أن مخيم زمزم للنازحين قرب مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، يواجه مجاعة كما يحتمل وقوعها في مخيمين آخرين.

وذكرت الشبكة أن لجنة مراجعة المجاعة التابعة للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي أفادت بأن المجاعة مستمرة حاليا في مخيم زمزم.

وأشار التقرير إلى احتمال وقوع مجاعة في مخيمي أبو شوك والسلام، حيث تقلل الأدلة المتاحة والمحدودة من القدرة على تأكيد أو نفي وقوعها.

وتوقعت التقرير استمرار المجاعة في المخيمات الثلاثة حتى أكتوبر/تشرين الأول المقبل على الأقل، وسط تحذيرات من استمرار الأزمة إلى ما بعد هذا الشهر في حال غياب المساعدات الغذائية.

من جهتها، طالبت المواطنة مناهل حماد، الأمم المتحدة ووكالاتها والمنظمات الإنسانية بتعزيز وجودها في دارفور لمكافحة المجاعة وانعدام الأمن الغذائي“.

وشددت حماد على ضرورة فتح كافة المعابر والممرات الإنسانية لعبور المساعدات الإنسانية وتوسيع نطاق الجهود بسرعة الاستجابة بشكل فعّال لإنقاذ حياة الملايين من الأرواح في دارفور”.

وأضافت “أطفالنا يصرخون من شدة الجوع والمرض، ولا نستطيع فعل شيء”.

الحرب تدمر سبل العيش

ودمرت الحرب سبل عيش ملايين السودانيين، بمن في ذلك العاملون في قطاع الزراعة والرعي التي يعمل فيها 80% من القوى العاملة في البلاد، نتيجة لتوسع نطاقها مصحوبا بالهجمات العشوائية على المدنيين.

وفاقمت الحرب من حدة الأزمة الإنسانية في إقليم دارفور، خاصة في مخيمات النازحين، إثر تسبب الاشتباكات الناجمة عنها في تعطيل وصول المساعدات الإنسانية الدولية إلى الإقليم.

وخلفت الحرب الدائرة في السودان منذ منتصف أبريل/نيسان 2023 أكبر أزمة إنسانية على المستوى الدولي، إذ اضطر الناس إلى تناول أعلاف الحيوانات وأوراق الأشجار في دارفور، لعدم توفر الغذاء في مخيمات النزوح البالغة عددها 51 في ولايات دارفور الخمس.

وأُنشئت مخيمات اللجوء في دارفور عندما نزح السكان من القرى إلى المدن الكبيرة بحثا عن الأمان بعد اندلاع الحرب في الإقليم 2003 بين القوات الحكومية وفصائل مسلحة متمردة.

ويشهد إقليم دارفور منذ 2003 نزاعا مسلحا بين القوات الحكومية وحركات مسلحة متمردة، أودى بحياة نحو 300 ألف شخص، وشرد نحو 2.5 مليون آخرين، وفق الأمم المتحدة.

ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني و”الدعم السريع” حربا خلّفت نحو 15 ألف قتيل وأكثر من 8 ملايين نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى