حلول وقف الحرب في السودان
أصاب كثير من السودانيين التململ والإحباط بسبب تطاول أمد الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023. دون أن تلوح في الأفق القريب بوادر حل سلمي يؤدي لإيقافها، فالغالبية العظمى من الذين فروا من ويلات هذه الحرب. والتي قدرت الأمم المتحدة أعدادهم بنحو 10.7 مليون شخص يعيشون أوضاعاً مأسوية سواء في المناطق الآمنة داخل البلاد أو في دول الجوار.
هذه الأوضاع جعلت النازحين السودانيين يتساءلون عن دور المجتمع الدولي وجهوده الحثيثة لإرغام طرفي الصراع على الجلوس في مائدة التفاوض أو اتخاذ إجراءات أكثر حسماً. وتشدداً كتطبيق البند السابع وغيره من الوسائل الحاسمة نظراً إلى عدم فاعلية العقوبات التي اتخذت في حق القوتين المتحاربتين خلال الفترات الماضية.
شكوى وتقاعس
يقول وزير خارجية السودان السابق إبراهيم طه أيوب .إن “هذه الحرب التي دخلت عامها الثاني طالت أكثر مما توقعه الشعب. الذي كان يعتقد مخطئاً أن طرفيها سيلجئان للسلم إعمالاً لصوت العقل. لكن للأسف تجاهلا المنطق والعقل واستمرا في القتال في وقت بات فيه المدنيون وقود هذه الحرب العبثية التي دمرت البلاد وشردت شعبها بين لاجئين في دول الجوار وامتداد الحدود .ونازحين في عديد من أنحاء السودان التي لم تصل إليها شرور الحرب”.
وتابع أيوب “في اعتقادي أن طرفي الصراع. ليس لديهما رغبة في الجنوح نحو السلام أو الشعور بمعاناة المواطنين السودانيين لأنهما موقنان بأن في نهاية الحرب إدانة لهما من ناحية إشعالها واستمرارها. فضلاً عن فقد الأرواح العزيزة وما لحق بالبلاد من دمار في جانب البنى التحتية التي ظلت الأنظمة المتعاقبة تتولاها بالرعاية على رغم ضيق ذات اليد. إلى جانب تدمير التعليم والمرافق الصحية، فكل هذه المآسي مسؤول عنها الجانبان المتحاربان. بالتالي لا مفر لديهما غير الاستمرار في هذه الحرب ورفض الرضوخ إلى السلم”.
وختم وزير خارجية السودان السابق “لا أعتقد أن هناك سبباً يدعو الشعب السوداني إلى الشكوى من تقاعس المجتمع الدولي من إقالة عثرتنا لأن من يقتل الشعب هم سودانيون .وليسوا أجانب أتوا من خارج البلاد للسيطرة عليه. ولقد شاهدنا مجلس الأمن الدولي يصدر قرارات تدعو طرفي الحرب إلى وقف القتال واللجوء إلى التفاوض لا أكثر ولا أقل. وفي رأيي فإن السبيل الوحيد إلى إنهاء الحرب وتجنب البلاد من مشهد التمزيق اتباع ما ظل ينادي به المخلصون من أبناء السودان، وهو تنفيذ المادة السابعة من ميثاق الأمم المتحدة. واستقدام قوات دولية قادرة على إنقاذ البلاد من الانشطار والتمزق”.
تصورات مخالفة
من جانبه قال مندوب السودان السابق لدى الأمم المتحدة عمر دهب إن “هناك دائماً شعوراً يطغى على الوسطاء سواء كانوا يمثلون المنظمات الدولية أو الإقليمية. السياسية منها والجغرافية، أو يمثلون الدول التي تعرض الوساطة بأنهم يبنوا مواقفهم على تصورات مخالفة للوقائع طالما كانت الأطراف المعنية مستضعفة وتنتمي إلى الدول النامية إذ إن خطورة هذا الشعور .الذي يجد طريقه إلى الواقع بصور عديدة يكمن في أنه يؤدي إلى نتائج خاطئة. فضلاً عن أنه يفرض وضعاً يسعى إليه فريق من هؤلاء الوسطاء يؤدي في نهاية المطاف إلى إضعاف الدولة وتهيئتها لمزيد من الانقسام والتشرذم والتشظي”. وأضاف “نلحظ ذلك في ما يتعلق بالسودان من خلال تدويل مشكلة جنوب السودان منذ ستينيات القرن الماضي. وما بعده حتى إبرام اتفاق السلام الشامل عام 2005. والذي قام علي مبدأ تقرير المصير مروراً بالنزاع المسلح في دارفور الذي اندلع في 2003. وصولاً إلى هذا الصراع الماثل مع ’الدعم السريع‘، وهو أشد الصراعات خطراً وأبعدها أثراً، إذ يمثل تهديداً وجودياً للدولة السودانية”.
وزاد دهب “للأسف إن ما يعين على هذا التهديد الأخير هو غياب الوحدة الوطنية وسط السودانيين الذين تفرقوا. فالآن يتولى جانب مهم التواصل مع الخارج وبتمويل منه دون الوعي بمدى هذا الخطر الداهم وتتغبش رؤيتهم فلا يرون أكثر من مواطئ أقدامهم في هذا الاتجاه. غير أن على الجميع بمختلف أطيافهم أن يسعوا إلى جمع شتاتهم ومنع تفرقهم ولا يتم ذلك إلا بحوار جاد متواصل”. وواصل “علينا أن ندرك أن التفاوض مع حركات التمرد والميليشيات والخارجين عن القانون لا يغير إطلاقاً من هذه الصفة التي يسبغها عليهم القانون الدولي وليس حكومة السودان. بيد أنه من المعلوم جيداً أن وظيفة القوات المسلحة لأية دولة كما تنص عليه اتفاقات جنيف الأربع وملحقاها الإضافيان. تتمثل في المحافظة على القانون والنظام في الدولة أو إعادتهما إلى ربوعها بكل الوسائل المشروعة والدفاع عن الوحدة الوطنية للدولة وسلامة ترابها الوطني. فما الذي تفعله الدولة السودانية بطريق قواتها المسلحة غير هذا؟”.
وأردف مندوب السودان السابق لدى الأمم المتحدة “بالطبع فإنه من المقبول أن يتداول المواطنون مدى تمكن القوات المسلحة أو قيادتها من تحقيق هذه الغاية الوطنية القصوى فتتباين مواقفهم وآراؤهم. بل إن ذلك هو أمر مطلوب لتصويب الجهد وتأكيده”.
ومضى في حديثه، “نجد في أحيان كثيرة أن وسائل الإعلام العالمية والمجتمع الدولي ومنظمات الأمم المتحدة وكثيراً من الوسطاء يذكرون بأن الفظائع التي ارتكبت في السودان، وهي غير مسبوقة في تاريخ النزاعات الداخلية. يرتكبها أطراف النزاع في حين يعلمون علم اليقين من هو الطرف الذي يرتكبها تحديداً ويتخذها أسلوباً ووسيلة لتحقيق هدفه في نشر الفوضى. وانتهاك القانون وصولاً لما سيسفر عنه هذا التكتيك من تقطيع أوصال الدولة”.
وأكد دهب “من العجب أن ارتكاب قوات ’الدعم السريع‘ للإبادة الجماعية في حق قبيلة المساليت في الجنينة في غرب دارفور لم يعره المجتمع الدولي ومنظماته على المستويين الدولي والإقليمي أي اهتمام، على رغم أن تعريف عبارة الإبادة الجماعية في الاتفاق الدولية لمنع ارتكابها والمعاقبة عليها لعام 1948 تنطبق على ما حدث في الجنينة انطباق الحافر على الحافر”.
سياسة النفير
واعتبر القيادي في حزب الأمة القومي صلاح جلال أن “الحرب كشفت طوال فترة أمدها كل ثغرات المجتمع الدولي ووسائل إدارته للمشهد العالمي بالمقطوعية وسياسة النفير بين التكتلات الدولية المتصارعة على النفوذ حول العالم بخاصة في مجلس الأمن الدولي. إذ تتجمع سحب الحرب الباردة كما كانت في الماضي القريب فبات المجلس الراعي للسلم والأمن الدوليين ونادياً للكلام دون إنتاج والتحركات الدولية والإقليمية كبخلاء الجاحظ يضعون عظمهم ولحمهم في طنجرة واحدة شكلاً. وكل واحد يربط قطعته بخيط ويمسك بطرفها خارج الطنجرة يتشاركون المرق. لكنهم لا يتقاسمون اللحم والعظم مما يطيل معاناة الضحايا في الانتظار ويمنح العابثين المستهترين بالأرواح والمصالح مزيداً من الفرص دون مواجهة ضغوط حقيقية للتفاوض بحسن نية لإنهاء المعاناة وهم يخرجون طرف ألسنتهم استهزاءً. بالعقوبات الشكلية والبيانات الفاضية التي لا توصل لقمة لجائع وجرعة دواء لمريض”.
-
واشنطن قلقة من احتمال فقدان نفوذها في السودان لصالح روسيا والصين وإيران
-
طهران في حرب السودان: ماهي الأهداف والمكاسب ؟
وأضاف، “مع اندلاع الحرب أطلقت الوساطة السعودية – الأميركية منبر جدة كإطار جاد وفاعل أعطى الأمل للضحايا بقرب الحلول التفاوضية لوقف إطلاق النار وإنهاء العدائيات .وفتح الممرات الآمنة للمعونات الإنسانية والانتهاء لعملية سياسية شاملة تستعيد المسار الديمقراطي وتجدد أهداف ومبادئي ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2019. لكن من المؤسف ما زال هذا المنبر يراوح مكانه ولحق به تدخل الاتحاد الأفريقي بمبادرة واجتماعات عديدة مكثفة للتنسيق الإقليمي والدولي. ثم جاء منبر دول جوار السودان الذي عقد ثلاثة اجتماعات إحداها على مستوى الرؤساء. ثم دعت كل من القاهرة والاتحاد الأفريقي القوى المدنية السودانية لاجتماعين منفصلين لوضع إطار للعملية السياسية. في حين لم تنقطع طوال هذه المدة اجتماعات مجلس الأمن الدولي حول الحالة في السودان بلا ثمرة”. وزاد، “في تقديري لكي تنجح أية مبادرة في كسر حاجز الجمود لا بد لها من تأثير في طرفي الحرب. ويتحقق ذلك باستخدام الجزرة والعصا. لكن من الواضح أن كل المبادرات المطروحة تفتقر للتنسيق اللازم والعصا الضرورية لإجبار أطراف النزاع على قبول مبدأ الحلول المتفاوض عليها”.
ومضى القيادي في “حزب الأمة القومي”، “لا بد من تحديد أهداف واضحة للمبادرات الإقليمية والدولية وحصرها في وقف القتال والوصول لوقف طويل المدى لإطلاق النار. ومن ثم وقف العدائيات الدائم والترتيبات الأمنية، لكن إذا لم تنجح هذه الأهداف الواضحة في توحيد مجلس الأمن الدولي لتفعيل ميثاق الأمم المتحدة جماعياً لحماية المدنيين فلن يكون هناك خيار غير تحالف الراغبين الدوليين لضمان سلامة المدنيين في السودان من خلال فرض حظر سلاح شامل لطرفي الحرب من الجو .والبحر وحظر طيران وفرض ممرات آمنة لتوصيل كل الحاجات الإنسانية وتشكيل قوة سلام دولية أو أفريقية على الأرض لفرض وقف شامل لإطلاق النار في كل أنحاء البلاد”.