المبعوث الأميركي يطلق تحذيراً من “السيناريو الأسوأ” في السودان
قتل أكثر من 150 شخصا في إحدى قرى ولاية الجزيرة بوسط السودان بعد معارك قالت منصات تابعة لقوات الدعم السريع إنها جرت مع مقاتلين تابعين للجيش في وقت شنّ فيه الطيران الحربي غارات جوية كثيفة استهدفت عددا من المناطق في ولايتي الجزيرة والنيل الأبيض.
وبالتزامن مع هذه التطورات حذر المبعوث الأميركي الخاص للسودان توم بيرييلو من انزلاق الحرب في البلاد إلى أسوا السيناريوهات، مشيرا إلى أن كل الاحتمالات باتت مفتوحة.
معارك عنيفة
شهدت العديد من مناطق ولايتي الجزيرة والنيل الأبيض، معارك شرسة، وسط تضارب في الروايات حول ما جرى في تلك المناطق.
وقالت منصات تابعة للدعم السريع إن المعارك التي خاضتها كانت مع مسلحين تابعين للجيش وأن معظم الضحايا سقطوا نتيجة للقصف الجوي الذي نفذه طيران الجيش.
وذكر الدعم السريع في بيان على “إكس” أن قواته اشتبكت مع قوات تابعة للجيش وميليشيات تقاتل إلى جانبه في 3 معسكرات غرب وجنوب وشمال منطقة “ود النورة”، تقع خارج المدينة.
وتأتي التطورات الميدانية الخطيرة في وسط البلاد في وقت شهدت فيه مناطق القتال في الفاشر عاصمة إقليم دارفور هدوء نسبيا مع استمرار اشتباكات متقطعة في بعض المناطق، وسط تقارير عن تشديد الدعم السريع حصاره على قيادة الجيش في المدينة.
ورصد شهود عيان موجة نزوح كبيرة من المدينة في ظل تقارير تحدثت عن معركة حاسمة خلال اليومين المقبلين.
مخاوف أميركية
حذر المبعوث الأميركي للسودان توم بيرييلو في مقابلة مع مجلة “فورين بوليسي” من أن الحرب الأهلية في السودان يمكن أن تتحول إلى صراع إقليمي أو أن يؤدي إلى تحول السودان لدولة فاشلة في غياب اتفاق سلام دائم ومسار نحو انتقال سياسي إلى حكومة يقودها مدنيون.
وقال بيرييلو: “أعتقد أن السيناريو الأسوأ في السودان هو نسخة من الصومال لمدة 20 أو 25 عاما”.
وحذر من “السرعة التي يمكن أن يتحول بها هذا الصراع من حرب ذات جانبين إلى حرب متعددة الأطراف”.
ولم يقدم بيرييلو تفاصيل بشأن متى أو ما إذا كانت محادثات السلام في جدة ستستأنف أم لا، لكنه قال “يجب أن نستنفد كل الخيارات. نحن بحاجة إلى اختراق دبلوماسي كبير، ونحتاج إليه الآن”.
ضغوط جديدة
في سياق متصل، قالت “فورين بولسي” إن المشرعين في مجلس النواب الأميركي يعكفون على إعداد قرار يعترف بوقوع إبادة جماعية في السودان، في محاولة لجذب المزيد من الاهتمام للصراع والضغط على إدارة الرئيس جو بايدن لتكثيف الجهود الدبلوماسية بشأن النزاع وإنهاء الحرب.
وكشفت المجلة عن نقاش في واشنطن حول كيفية دفع الجيش وقوات الدعم السريع إلى طاولة المفاوضات، وقالت إن جزء من ذلك النقاش يركز على العقوبات.
ويرى مراقبون أن عواقب انهيار السودان وتحوله إلى دولة فاشلة ستكون كبيرة وبعيدة المدى، ولها آثار واسعة النطاق على تدفق المقاتلين المتطرفين والأسلحة إلى أجزاء أخرى من القارة، بما في ذلك منطقة الساحل، بالإضافة إلى مسألة اللاجئين الذين يحاولون الدخول إلى أوروبا.
ومن الممكن أن يمتد عدم الاستقرار في السودان أيضا بسهولة إلى البلدان المجاورة التي تتصارع بالفعل مع حالة عدم الاستقرار، مثل جنوب السودان وتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى.
وحول هذه النقطة قال بيرييلو لـ”أعتقد أن الشعب السوداني متحد للغاية في عدم رغبته في رؤية دولة فاشلة. سنرى قريبا نتائج أكثر أهمية فيما يتعلق بإحراز تقدم في وقف إطلاق النار وتوصيل المساعدات الإنسانية والوصول إلى مسار للمضي بالسودان قدما نحو الأفضل. سيكون الحكم علينا سيئا للغاية إذا لم نفعل ذلك”.
تنافس دولي
ويلقي التنافس بين القوى العظمى أيضا وفق “فورين بوليسي” بظلاله على الصراع في السودان خصوصا بين الولايات المتحدة وروسيا اللتان تتسابقان على النفوذ في إفريقيا.
ورجحت تقارير أن يوقع مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة السوداني خلال زيارته الحالية لموسكو اتفاقيات أمنية واقتصادية من بينها اتفاقية تضمن استمرار اتفاق سابق بإنشاء قاعدة بحرية لروسيا في سواحل البحر الأحمر.
وأثار مشروع إنشاء القاعدة حفيظة الولايات المتحدة والعديد من البلدان التي اعتبرت أن إنشاء القاعدة يشكل خطرا على الأمن الدولي.
وبحسب مراقبين فإن روسيا تحرص على تعزيز نفوذها في السودان مدفوعة بالتنافس الدولي على إفريقيا، كما تطمح في تعزيز وجودها الحالي بالقارة السمراء وتوسيعه شرقا من خلال السودان، بعد أن استطاعت تأمين وجود قوي لها في غرب القارة من خلال دولتي النيجر ومالي اللتان دفعت فيهما الحملات الشعبية المعادية للوجود الفرنسي الأنظمة العسكرية الجديدة هناك لانتهاج علاقات استراتيجية مع روسيا خلال الأشهر الماضية.
وفي حديث قال السفير الصادق المقلي إن موقع السودان الاستراتيجي على البحر الأحمر ومنطقة القرن الإفريقي يجعله محل اهتمام القوى الدولية.
وأضاف المقلي: “في ظل الحصار والمقاطعة الغربية المفروضة عليهم، يسعى قادة الجيش إلى التوجه شرقا نحو روسيا التي تبحث هي أيضا عن حلفاء تفك بهم طوق العزلة الدبلوماسية والاقتصادية التي فرضت عليها بعد عمليتها في أوكرانيا”.
وتابع: “لم تكن الأوضاع السياسية في السودان في سلم اهتمامات الزيارة الأخيرة التي أجراها وزير الخارجية الروسي للسودان، لكنها أتت في إطار جولة لعدد من الدول الإفريقية هدفت لكسب وقوف هذه الدول إلى جانب سعى روسيا لإيجاد موطئ قدم لها على البحر الأحمر تحديدا في إطار التنافس مع أميركا والصين في القارة”.
ولفت المقلي إلى أن روسيا وفي ظل أوضاعها الحالية لن تستطع تقديم مساعدات مالية واقتصادية ملموسة للسودان، لكنه يتوقع أن يعمل الطرفان على تحقيق معادلة الأمن مقابل الاستثمار في الذهب والزراعة.