تحقيقات

الكيزان أخضعت الجيش كاملاً


أثار تكثيف ظهور قيادات وكتائب الإخوان العسكرية والسياسية. خلال الساعات التي أعقبت استرداد الجيش السوداني لمقر الإذاعة والتلفزيون في وسط مدينة أم درمان تساؤلات عديدة حول الدلالات والتوقيت.

وظهر قائد “كتيبة البراء” المصباح أبوزيد، وهو يعلن “النصر” بعد لحظات من دخول الجيش للمقر الذي كان خاضعا لسيطرة قوات الدعم السريع منذ الأسابيع الأولى من اندلاع القتال في منتصف أبريل.

وفي الجانب الآخر، نشطت منصات إعلامية تابعة للإخوان في تمجيد دور من أسمتهم بـ”المجاهدين وكوادر الحركة الإسلامية” في القتال، وذهبت بعض المنصات إلى أبعد من ذلك. واعتبرت أن الخطوة شكلت بداية الطريق لعودة التنظيم للحكم ونهاية لأي دور للأحزاب السياسية التي قادت التغيير. الذي أطاح في أبريل 2019 بحكم الإخوان، الذي استمر ثلاثة عقود.

وتمثل الوجه الثالث للظهور العلني في التصريحات، التي نقلت على لسان الأمين العام للحركة الإسلامية علي كرتي. والتي قطع فيها بعدم الرضوخ لأي هدنة أو حلول تفاوضية.  

وربط البعض بين ذلك الظهور وطبيعة التركيبة الحالية للجيش في ظل اتساع رقعة الحرب. التي شملت أكثر من 70 في المئة من مساحة البلاد حتى الآن. وانضمام حركات مسلحة للقتال إلى جانب الجيش.

ورأت الكاتبة صباح محمد الحسن أن الظهور الإعلامي المكثف لقائد كتيبة البراء قصد به تقديم نفسه و”تحقيق مكاسب وهو يعلن استرداد موقع له قيمته الوجدانية عند الشعب السوداني. وقيمته النفسية لعناصر الإخوان كمنبر لإذاعة كل البيانات الانقلابية التي تشعرهم بالقوة”.

وقد تصاعد الحراك الرافض لهيمنة جماعة الإخوان المسلمين في الأوساط العسكرية السودانية. بمشاركة عدد كبير من الضباط، الذين يدركون أنّ مصيرهم سيكون إمّا التصفية. وإمّا   السجن، إذا ما علمت القيادات المؤيدة للحركة الإسلامية أو النظام البائد عن توجهاتهم.

ووفق مصادر خاصة فإنّ القيادات وصلتها معلومات حول تنامي معارضة جماعة الإخوان في الجيش بين الضباط، لهذا تقوم الأجهزة الرقابية العسكرية “الاستخبارات” باستجواب العشرات. والتحقيق مع العديد من الضباط، لحصر المعارضين وإقصائهم من المشهد.

  وكشف ضابط كبير في الجيش السوداني أنّ عدداً من منتسبي القوات المسلحة ظلوا طوال الفترة الماضية يُحذّرون من خطورة ربط اسم الجيش بأيّ ميليشيات قد تكون لها ارتباطات مع تنظيمات إرهابية منبوذة عالمياً، كالإخوان المسلمين. 

وأضاف الضابط الذي فضل حجب اسمه أنّ إشراك هذه العناصر في القتال إلى جانب الجيش يتم بتنسيق عالي المستوى مع قيادات سياسية ذات نفوذ كبير داخل الجيش .والأجهزة الأمنية مثل علي كرتي وأحمد هارون وغيرهم”.

وكان الضابط السابق في الجيش السوداني وليد التوم أنّ التنظيم لم يستطع تغيير عقيدة كافة منسوبي الجيش؛ بدليل أنّ المخلوع البشير كان متوجساً من الجيش حتى لحظة سقوطه.

وكانت القوات المسلحة قد أحبطت انقلاباً عسكرياً قبل نحو شهر. أعده عدد من ضباط الجيش المعارضين لهيمنة الإخوان على القوات المسلحة.

وأشارت مصادر آنذاك إلى أنّ استخبارات الجيش اعتقلت عدداً من الضباط بمنطقة وادي سيدنا العسكرية في أم درمان بتهمة “الإعداد لانقلاب”، حسب ما نقلت صحيفة (السوداني).

وقد سعى التنظيم لصنع مراكز قوة داخل الجيش. وتمكن من شراء البعض ليمهد الطريق أمام عناصره للسيطرة على مفاصل محددة، وهو الآن يتحكم فعلياً بقرارات القوات المسلحة. سواء في أرض المعارك، أو حتى السياسية المتعلقة بالمفاوضات حول إنهاء الحرب.

ومنذ مطلع تسعينيات القرن الماضي توسع نفوذ الإخوان في الجيش بشكل كبير. عندما بدؤوا في استخدام شعارات دينية .ومتطرفة لدغدغة مشاعر الشباب وإشراكهم في الحرب الأهلية في جبال النوبة والنيل الأزرق والجنوب ذي الغالبية المسيحية. والذي انفصل عام 2011 وكوّن دولته المستقلة.

استراتيجية العودة

منذ سقوط نظامهم في أبريل 2019، استخدم الإخوان 3 أدوات لتهيئة المسرح لعودة حكمهم مجددا، مستندين على شبكة واسعة من مراكز النفوذ المالي والإعلامي والعسكري. التي تمكنوا من بنائها خلال العقود الثلاثة الماضية.

وظل التنظيم ومنذ ظهوره في شكل شبكات صغيرة ومحدودة. في أواخر أربعينيات القرن الماضي، يعمل على توسيع قاعدته داخل الجيش والأجهزة الأمنية. من أجل تحقيق طموحاته في الوصول إلى الحكم. وبالفعل، استخدم تلك الشبكات في تنفيذ أول محاولة انقلابية في العام 1959. أي بعد ثلاث سنوات من استقلال البلاد من الحكم الإنجليزي في 1956. واستمرت تلك المحاولات حتى العام 1989. عندما نفذ التنظيم بنجاح انقلاب عمر البشير، الذي حكم البلاد 30 عاما.

لكن ومنذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، توسع نفوذ الإخوان في الجيش بشكل كبير. عندما بدؤوا في استخدام شعارات دينية ومتطرفة لدغدغة مشاعر الشباب .وإشراكهم في الحرب الأهلية في جبال النوبة والنيل الأزرق .والجنوب ذي الغالبية المسيحية والذي انفصل عام 2011 وكوّن دولته المستقلة.

وسعى التنظيم لصنع مراكز قوة داخل الجيش، لكن وليد التوم. الضابط السابق في الجيش السوداني، يقول لموقع  إن التنظيم نجح في اختراق الجيش. لكنه لم يستطع تغيير عقيدة كافة منسوبيه.

أما في الجانب الإعلامي، فيستخدم التنظيم في حملته الحالية شبكات إعلامية ضخمة. تشمل عددا من المواقع والقنوات التلفزيونية .إضافة إلى ضخ مبالغ ضخمة في شركات ومجموعات تتخصص في بث الشائعات والأخبار المفبركة على وسائط التواصل الاجتماعي من أجل تشويه صورة المدنيين .والتأثير على الرأي العام.

التمسك بالحرب

وتضغط كتائب الإخوان التي تقاتل إلى جانب الجيش بقوة في اتجاه استمرار الحرب وعدم الرضوخ لأي حلول سلمية. وسط تقارير تحدثت عن خلية تابعة لها تقف وراء المواقف المتشددة الرافضة لوقف الحرب. وتربط مجموعات الإخوان بشكل علني بين دعمها للجيش واستمرار الحرب.

وفي هذا السياق، يقول المحلل السياسي محمد لطيف: “الجيش مجرد أداة لتنفيذ برامجهم متى ما حاد عن ذلك يقومون بمحاربته والبحث عن جيش بديل”.

وأعلنت “كتيبة البراء” رفضها بشدة الجهود المحلية والإقليمية والدولية الساعية لوقف الحرب. ويرى مراقبون أن ذلك الرفض يرتبط بمبدأ العنف. الذي قامت عليه الكتيبة وغيرها من المجموعات الجهادية الأخرى، مشيرين إلى علاقتها الواضحة مع تنظيم داعش. الأمر الذي تسبب في إحراج موقف الجيش.

ووفقا لضابط كبير، فإن عددا من ضباط الجيش ظلوا طوال الفترة الماضية يحذرون من خطورة ربط اسم الجيش بأي مليشيات قد تكون لها ارتباطات مع تنظيمات إرهابية منبوذة عالميا. لكن الضابط الذي فضل حجب اسمه أوضح لموقع “سكاي نيوز عربية” أن “إشراك هذه العناصر في القتال إلى جانب الجيش يتم بتنسيق عالي المستوى مع قيادات سياسية ذات نفوذ كبير داخل الجيش .والأجهزة الأمنية مثل علي كرتي وأحمد هارون وغيرهم”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى