تحقيقات

بأمر قادة الجيش.. السودان على طريق العزلة الدولية


ينذر الوضع في السودان بمزيد من العزلة الدولية التي بدأت بعد انقلاب الخامس والعشرون من أكتوبر 2021 وزادت حدتها أثناء حرب الخامس عشر من أبريل الماضي.

وبينما قررت الوساطة السعودية الأميركية تعليق جولة المفاوضات بين الجيش والدعم السريع إلى أجل غير مسمى فإن ملايين السودانيين باتوا أمام مصير مجهول، بسبب الأوضاع الانسانية الصعبة التي خلفتها الحرب.

 

والجمعة الماضية أنهى مجلس الأمن الدولي ولاية بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال في السودان “يونيتاميس” اعتبارا من 3 ديسمبر الجاري.

 

وبدأت بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال “يونيتامس” في السودان بطلب من الحكومة الانتقالية بقيادة عبد الله حمدوك التي أطاح بها العسكريون في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021.

ووفقاً للقرار الصادر من مجلس الأمن الدولي فإن البعثة ستوقف عملياتها في السودان اعتبارا من 4 ديسمبر الجاري على أن تنقل مهامها إلى وكالات الأمم المتحدة وصناديقها وبرامجها، ومن المتوقع أن تكتمل عملية النقل بحلول 29 فبراير 2024 لتبدأ إجراءات تصفية البعثة مطلع مارس من العام المقبل.

وبينما لم يكن واضحاً موقف الجيش من المفاوضات المؤدية لإنهاء الحرب السودانية فإن تصريحات عضو مجلس السيادة ومساعد قائد الجيش الفريق ركن ياسر العطا الأخيرة عززت من فرضية وجود تضارب في مواقف جنرالات الجيش.

والاثنين الماضي خاطب ياسر العطا الجنود والضباط وضباط المخابرات في قاعدة وادي سيدنا العسكرية التابعة للجيش غربي العاصمة السودانية. وأرسل العطا اتهامات صريحة لعدد من الدول بدعم قوات الدعم السريع من بينها الإمارات العربية المتحدة.

وسبق وألمح قادة في الجيش إلى تدخل دول مجاورة في القتال بين الجيش والدعم السريع دون ذكرها بالاسم في الحرب المستمرة منذ أكثر من سبعة أشهر والتي أدت إلى نزوح ولجوء ملايين السودانيين خارج البلاد.

ولم يسافر قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان إلى الإمارات للمشاركة في مؤتمر عن المناخ ومناقشة وضعية السودان مع القادة الإماراتيين على هامش القمة.

تصريحات صادمة

وجاءت تصريحات العطا صادمة لجهة أنها صدرت من جنرال عسكري وليس من الجهات ذات الصلة بمهام الدولة فيما يختص بالعلاقات الخارجية.

ويرى السفير الصادق المقلي، أن حديث العطا جاء مجافياً لكافة الأعراف الدبلوماسية. موضحاً أنه لا يجب على أي قائد عسكري إقحام نفسه في مجال يعد من صميم مهام الدبلوماسية السودانية.

وبحسب المقلي الذي تحدث لـ(عاين)، فإن تصريحات العطا تعكس في المقام الأول عدم التناغم بين مؤسسات الدولة. واعتبر أن خطاب العطا غير مجد ويعتبر مضراً بالعلاقات مع كل الدول التي خصها بالذكر في تصريحاته، كما إنه يعكس التناقض في الخطاب الرسمي الذي يؤدي إلى نتائج عكسية للغاية ويضر بسياسة السودان الخارجية و علاقاته الثنائية مع الدول المعنية.

المقلي أوضح، أن العطا حتى ولو توافرت لديه أدلة على الاتهامات التي وجهها لهذه الدول فإن الواجب يُحتم عليه العمل على معالجة ذلك عن طريق القنوات الدبلوماسية المتمثلة في الخارجية أو السفارات أو عن طريق الدبلوماسية الرئاسية. واعتبر السفير أن العطا كرر نفس الخطأ الذي ارتكبه في حق الرئيس الكيني وليم روتو، وهو الأمر الذي سعى البرهان لمعالجته عند زيارته للدولة الكينية، مما ساعد في إذابة الجليد الذي أحدثته تصريحات مُساعده غير المدروسة.

ويتساءل السفير ما إذا كان البرهان سيضطر لاتخاذ خطوات مماثلة لمعالجة الأضرار التي ترتبت على تصريحاته ضد عدد من الدول.

كما أن السفير أشار إلى أن طلب الدبلوماسية السودانية إنهاء بعثة يونتامس وتصريحات ياسر العطا في حق الإمارات قطعا الخيط الرفيع بين السودان والمجتمع الدولي.

ووفقاً للمقلي فإن السودان ظل يعاني منذ انقلاب الخامس عشر من أكتوبر 2021 من عزلة دولية و إقليمية مما تسبب في قطيعة تامة مع المؤسسات المالية الدولية متعددة الأطراف.

وزاد: بينما كان الأجدى للدبلوماسية السودانية العمل على تجسير هذه العلاقات بدلاً من أن تشارك هي نفسها في مزيد من المواجهة مع المجتمع الدولي المتمثل في مجلس الأمن.

وأضاف بأن السودان الذي وصل إلى حالة اللا دولة بسبب غياب المؤسسات في حاجة أكثر من أي وقت مضى للدعم الفني الدولي للمساعدة في إعادة إعمار وإصلاح ما أفسدته الحرب. وهو الأمر الذي يتمثل في إعادة النازحين واستتباب الأمن والاستقرار وتعزيز السلام خاصة في ظل دولة مفلسة.

قطع العلاقات

السفير لفت إلى أنه ما من دولة يمكنها أن تعيش في جزيرة معزولة عن العالم بما فيها الدول الصناعية الكبرى. وأكد أن الإمارات لم تشأ الجنوح للتصعيد مما يشئ برغبتها في التهدئة عندما ذكرت أنها ظلت تعمل من أجل إيقاف الحرب منذ بدايتها. كما ذكرت أنها ظلت تقدم العون الإنساني للمتضررين من الحرب.

وبشأن الحديث عن استدعاء سفير أبوظبي بالسودان أو مغادرته البلاد، قال السفير إنه مجرد تسريب غير مؤكد، مضيفًا أنه من المستبعد تمامًا أن تجد الأصوات المنادية بقطع العلاقات مع الإمارات، آذانًا صاغية لدى ما وصفها بحكومة الأمر الواقع في السودان.

من جانبه، فإن أستاذ العلوم السياسية، مصعب محمد علي، يرى أن تصريحات مساعد قائد الجيش “ردة فعل من قادة الجيش تجاه الدعم الإماراتي للدعم السريع في الحرب الحالية”.

ولفت إلى أن هذه التصريحات لا تأتي إلا بناءً على معلومات من أجهزة المخابرات خاصة وأن العطا يمثل مجلس السيادة الذي يعد أعلى سلطة حالياً في السودان. وبشأن التبعات المستقبلية لمثل هذه التصريحات، يقول أستاذ العلوم السياسية إن “العلاقات بين السودان والإمارات تمر بمرحلة ستؤدي في نهاية الأمر إلى قطع العلاقات بينهما خاصة إذا لم يتم حل الازمة بين البلدين في بدايتها”.

أما في يخص رد فعل أبو ظبي تجاه هذه التصريحات فسيكون ربما بمراجعة المساعدات للدعم السريع خوفا من الدخول في حرج مع المجتمع الدولي .بحسب -المحلل السياسي- الذي أكد أن استمرار الحرب فى السودان ليس من مصلحة أبوظبي. لأنه يؤثر على المشروعات الإماراتية في السودان نسبة لأن طول امد الحرب السودانية قد لا يساعد في تحقيق هذه المصالح.

والعام الماضي وقعت دولة الإمارات العربية المتحدة اتفاقاً يهدف لبناء ميناء أبو عمامة ساحل البحر الأحمر بالسودان ضمن استثمارات أخرى. كما أنها تعتبر وجهة رئيسية لاستجلاب الذهب السوداني.

ويتوقع أستاذ العلوم السياسية. أن يتجه السودان للتفاوض مع الإمارات حول مسألة دعمها للدعم السريع والضغط عليها من أجل تغيير أهدافها.

من جهته، يقول خبير في العلاقات الدولية، إن قيادة الجيش ارتأت مواجهة الدول التي تعتقد أنها تعمل على تقديم الدعم العسكري والدبلوماسي لقوات الدعم السريع.

الخبير الذي -فضل حجب اسمه- لفت إلى أن قيادة الجيش سبق ورفضت مبادرة الإيقاد عندما .اتهمت الدولة الكينية بتقديم الدعم الدبلوماسي لقيادة الدعم السريع.

وتساءل في مقابلة مع (عاين)، عن أسباب صمت القيادة العسكرية للجيش على الرغم من علمها بمد دولة الإمارات العربية المتحدة قوات الدعم السريع بالسلاح طوال الفترة الماضية. ورأى أن مؤسسة القوات المسلحة لم ترغب في إحراج دولة الإمارات في وقت سابق بسبب علاقات هؤلاء القادة أنفسهم بها.

ولفت إلى أن العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين الإمارات والسودان ستستمر في التوتر. خاصة وأن الأخيرة بدت غير راضية عن أداء الإمارات خلال هذه الحرب. وخلص إلى أن تصريحات العطا الموجهة ضد الإمارات تعد سلاحا ذا حدين. فإما قادت الإمارات لمزيد من الدعم لقوات الدعم السريع أو أدت لأن تتراجع عن ذلك .وتفكر في مستقبل علاقاتها مع السودان حالة حدوث استقرار في السودان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى