حكومة “تصريف أعمال” في السودان: حلاً للأزمة أم مزيد من التعقيد؟
ما تزال بوصلة حل الأزمة السودانية ضائعة بين هدنٍ لا تستمر واشتباكات عنيفة، بينما يشهد الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع تطورات ملفتة.
فهل يمكن أن يكون تشكيل حكومة “تصريف أعمال” حلا الأزمة السودانية المحتدمة منذ منتصف أبريل الماضي؟
ففي الوقت الذي تستمر فيه الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع، قالت مصادر سياسية سودانية إن الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش قد يعين حكومة تصريف أعمال يكون مقرها في مدينة بورتسودان، على ساحل البحر الأحمر، بسبب تعقد الأوضاع في الخرطوم.
وما بين مؤيد ومعارض لتلك الخطوة، انقسمت مواقف السياسيين السودانيين، إذ يرى البعض أن تلك الخطوة ستعقد المشهد السياسي، بينما يرى آخرون أنها قد تكون هي الحل.
ويتواجد أغلبية المسؤولين السودانيين في مدينة بورتسودان التي تحولت إلى عاصمة إدارية منذ اندلاع الاشتباكات في 15 أبريل الماضي.
تباين في الآراء
وقال الكاتب والمحلل السياسي السوداني، عبد اللطيف أبو بكر، إن “خروج البرهان من القيادة العامة للجيش، يعني تفرغه لقيادة أجهزة الدولة التنفيذية لتعمل بكفاءة وفاعلية”.
وأضاف أبو بكر أنه “من المتوقع أن يعلن البرهان، تشكيل حكومة تصريف أعمال تعمل بفاعلية، خاصة وأن الولايات الآمنة في السودان تحتاج إلى مؤسسات مدنية تعمل على تحسين الوضع الاقتصادي في البلاد”.
لكن الحركة الشعبية لتحرير السودان- التيار الثوري الديمقراطي، بقيادة ياسر عرمان، رأت أن ما يتردد عن عزم البرهان تكوين حكومة في بورتسودان يعمق الانقسامات الوطنية، كما سيعمق من تبعية مؤسسات الدولة والقوات المسلحة لرموز النظام السابق، في إشارة لنظام الرئيس السابق عمر البشير.
واقترحت الحركة على قائد الجيش “إجراء مشاورات واسعة مع كل القوى الوطنية والديمقراطية، والعمل على توحيد منبر للتفاوض مع الشركاء الإقليميين والدوليين لحل الأزمة وتحويل الكارثة إلى منفعة بمشاركة فعلية من قوى التغيير”.
وقال البيان إن “إعادة إنتاج النظام القديم مستحيلة وإن تمت فهي غير مجدية، والفرصة قائمة أمام قائد الجيش لطرح أجندة جديدة قائمة على التغيير وأجندة الشعب”.
واعتبر البيان أن “تشكيل حكومة في بورتسودان قد يؤدي إلى قيام سلطة أخرى موازية، كما حدث في بعض بلدان الإقليم، مضيفا أنه من الأفضل تسخير كل الطاقات الوطنية نحو الحل السلمي المُفضي للانتقال المدني الديمقراطي”.
داعمون ورافضون
من جهته، قال القيادي بقوى الحرية والتغيير، إبراهيم الميرغني، إن “الدعوة لتشكيل حكومة في المناطق التي تسيطر عليها القوات المسلحة في هذا التوقيت الحرج الذي يشتعل فيه أكثر من نصف السودان بنيران الصراع تمثل مدخلا ليقوم الدعم السريع بتشكيل حكومة في المناطق التي تقع تحت سيطرته الأمر الذي يفتح الباب واسعا لتقسيم السودان”.
وقال الميرغني في تغريدة على منصة إكس للتواصل الاجتماعي (تويتر سابقا)، إنه “بينما المطلوب الآن هو أن يعمل الجميع على إيقاف الاشتباكات أولا ثم السعي لتشكيل الحكومة”.
أما أمجد فريد، وهو مستشار رئيس الوزراء السابق، عبد الله حمدوك، فرد على تعليق إبراهيم الميرغني بشأن رفضه لتكوين حكومة غير حزبية لإدارة شؤون السودانيين، وتهديده بأن ذلك سيؤدي إلى تشكيل الدعم السريع لحكومة في مناطق سيطرته.
وقال فريد في تغريدة على منصة إكس (تويتر سابقا)، إن “إبراهيم الميرغني لا يعنيه أو هو يتجاهل أن هناك أكثر من 30 مليون سوداني داخل البلاد غير النازحين واللاجئين يحتاجون إلى جهاز فاعل يعمل على إدارة شؤون صحتهم وتعليمهم وغذائهم وأمنهم، وأنهم يحتاجون إلى جهاز حكومي يعمل على إنجاح الموسم الزراعي وتوثيق شهاداتهم الجامعية واستخراج أوراقهم الثبوتية، بل حتى ضمان وصول المساعدات الإنسانية لهم وغيرها من الضروريات”.
وأضاف أن “هذه الحكومة المطروح والمقترح تكوينها ليست حكومة سياسية ليسيل لعاب الذين يتسابقون على توزيع المناصب والمقاعد، حتى ولو كانت مدير إدارة فرعية للتأمين الصحي، ولكنها حكومة ذات طابع تقني ولا تستطيع بطبيعة وواقع الوضع الحالي ممارسة أي عمل سياسي باعتباره محصورا بالأمر الواقع في عملية السعي لوقف الاشتباكات”.
ومنذ 15 أبريل الماضي، خلفت الاشتباكات بين قوات الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو، آلاف القتلى والجرحى، وأوضاعا إنسانية غاية في التعقيد.
وبحسب تقديرات أممية فقد أدى الصراع بين الجانبين إلى نزوح أكثر من 4 ملايين شخص داخل السودان البلاد وخارجه، في حين يتبادل الجيش و”الدعم السريع” الاتهامات بالمسؤولية عن بدء القتال وارتكاب انتهاكات خلال الهدنات المتتالية.