السودان.. استئناف مفاوضات جدة
عرض قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميددتي) مبادرة لوقف القتال المستمر منذ ثلاثة أشهر من خلال تشكيل لجنة اتصال مع القوى السياسية والمجتمعية وحركات مسلحة “للتوصل إلى حل سياسي شامل” للأزمة في البلاد، وذلك تزامنا مع عودة طرفي الصراع في السودان إلى طاولة المفاوضات في مدينة جدة السعودية.
وأجبرت الهزائم الميدانية المتتالية والثقيلة التي تكبدها الجيش السوداني في مواجهة قوات الدعم السريع خاصة في العاصمة الخرطوم وغيرها من المدن على العودة إلى طاولة المفاوضات في جدة، بعد اقتناعه بأنه غير قادر على حسم المعركة عسكريا وأن إطالة أمد الحرب لن يكون في صالح قواته التي خسر منها الكثير بين قتيل وأسير ومنشق عنه انضم إلى قوات الدعم السريع.
وقالت مصادر بالحكومة السودانية مساء السبت إن ممثلين عن الحكومة وصلوا إلى مدينة جدة السعودية لاستئناف المحادثات مع قوات الدعم السريع شبه العسكرية التي يدور بينها وبين الجيش السوداني قتال منذ ثلاثة أشهر.
وأتت هذه التطورات غداة بيان سعودي أميركي، تعهد فيه البلدان بالتزامهما المشترك بإنهاء الصراع في السودان.
إلا أن المفاوضات المعلقة منذ شهر ونصف، سبقتها بعض التطورات، قد تؤثر على نتائج المباحثات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
وكانت السعودية والولايات المتحدة علقتا في أوائل يونيو الماضي، محادثات سابقة بين الجانبين السودانيين في جدة بعد انتهاكات عديدة لوقف إطلاق النار، إلا أن البلدين أعلنا مساء الجمعة، التزامهما بالعمل على إنهاء الصرع، وتلبية الاحتياجات الإنسانية.
وذكر بيان صادر عن حميدتي نشره عبر صفحاته الرسمية على فيسبوك وتويتر “أصدر القرار الآتي: تشكيل لجنة اتصال مع القوى السياسية والمجتمعية وحركات الكفاح المسلح برئاسة يوسف عزت (يعرف بأنه المستشار السياسي للدعم السريع)، وعضوية لنا مهدي، وبلة محمد، وفاطمة علي”.
وقال إن ذلك يأتي “التزاماً بمبدأ الحوار كضرورة أساسية للتوصل لحل سياسي شامل، ونظراً إلى التطورات التي تشهدها البلاد بسبب الحرب والتي يقتضي إنهاؤها إجراء مشاورات واسعة النطاق بغية معالجة جذور الأزمة الوطنية المتراكمة”.
وستعمل اللجنة أيضًا، على عقد مشاورات واسعة بشأن الأزمة السودانية المستمرة والحرب الراهنة، “والسبيل الأمثل للوصول إلى حل شامل يعالج الأزمة من جذورها بمشاركة جميع القوى السياسية والشبابية والمجتمعية”، وفق البيان.
وفي المقابل، لم يصدر أي تعليق عن السلطات السودانية أو الجيش على اقتراح حميدتي.
لكن في وقت سابق السبت، وضع رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان، شروطا للتهدئة، قائلا إن الحكومة السودانية مستعدة لوقف إطلاق النار متى ما استجابت قوات الدعم السريع مع مطالب إخلاء مساكن المواطنين ومراكز خدمات المياه والكهرباء والطاقة والمستشفيات والأعيان المدنية والمقرات الحكومية من عناصرها.
جاء ذلك خلال اتصال هاتفي تلقاه تلقى رئيس مجلس السيادة السوداني، من الرئيس الكيني وليم روتو، بعد أيام من اعتراض الخرطوم على رئاسة نيروبي للجنة الرباعية المكلفة من قبل “الإيغاد” لمعالجة الأزمة في السودان.
ونقل البرهان للرئيس الكيني، أسباب تحفظ حكومة السودان على رئاسة كينيا للجنة، ورفضه لمخرجات القمة التي كانت قد عقدت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا مؤخرا، مؤكداً سيادة السودان على أراضيه حيث لا يمكن إدخال قوات شرق أفريقيا (إيساف) دون موافقة حكومة السودان.
وكانت الآلية الرباعية (الإيغاد) قررت قبل أيام أن “تطلب من قمة القوة الاحتياطية لشرق أفريقيا الانعقاد من أجل النظر في إمكانية نشر القوة الاحتياطية لحماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى السودان”.
و”إيغاد” منظمة حكومية أفريقية شبه إقليمية تأسست عام 1969، تتخذ من جيبوتي مقرا لها، وتضم كلا من: إثيوبيا وكينيا وأوغندا والصومال، وإريتريا، والسودان وجنوب السودان.
واتهم البرهان، قوات الدعم السريع، بـ”تدمير البنية التحتية وقتل ونهب وتهجير المواطنين، واحتلال منازلهم، وتدمير مراكز الخدمات وتخريبها”.
ومن غير المعروف ما إذا كانت التطورات الأخيرة بين الطرفين ستترك أثراً سلبياً على المفاوضات في مدينة، وتمنع تثبيت هدنة جديدة في البلاد.
إلى ذلك، بدأت بشكل منفصل محاولة للتوسط أطلقتها مصر الخميس الماضي، ورحب بها الجيش السوداني، الذي تربطه علاقات وثيقة بالقاهرة، وقوات الدعم السريع، وذلك بعدما فشلت سلسلة من اتفاقات وقف إطلاق النار السابقة في وضع حد للقتال الذي اندلع في منتصف أبريل.
ويرى مراقبون أن تلك الشروط التي وضعها البرهان بانسحاب قوات الدعم السريع من المواقع التي سيطرت عليها، رغم أنها غير منطقية في وضع الحرب إلا أنها تعكس عدم قدرته على استرجاعها طيلة ثلاثة أشهر من القتال باستخدام جميع أنواع الأسلحة وخصوصا الطيران الحربي الذي يستهدف المناطق الآهلة بالسكان.
ويشير هؤلاء المراقبين إلى أن قرار البرهان العودة إلى مفاوضات جدة مرده شعوره بالهزيمة وأن دخوله في مواجهات عسكرية ضد قوات الدعم السريع التي تمتلك خبرة في حرب الشوارع كان خطأ فادحا، لذلك فهو مستعد لوقف الحرب والقبول بأي مبادرة لإنهاء القتال.
وقال عضو مجلس السيادة نائب القائد العام للجيش السوداني شمس الدين كباشي السبت، في تصريح صحفي مساء السبت إنهم “منفتحون على أي مبادرة جادة لوقف الحرب في إطار المحافظة على السيادة الوطنية ومؤسسات الدولة، وأن المبادرة السعودية الأميركية متقدمة”.
وبشأن رؤية الجيش للحل السياسي في السودان أوضح كباشي أن موقفهم المبدئي “يدعم الحوار السياسي الموسع والشامل المفضي إلى حكومة مدنية تقود البلاد خلال المرحلة الانتقالية وتهيئ لقيام انتخابات حرة ونزيهة تؤدي إلى قيام النظام الديمقراطي”.
وكان الجيش السوداني وقع في الخامس من ديسمبر خلال العام الماضي إطار اتفاق بجانب قوات الدّعم السريع مع قوى سياسية عديدة أبرزها الحرية والتغيير، نص على إعادة مؤسسات الحكم المدني وخروج الجيش من العمل السياسي بشكل كامل ولكن تعذر التوقيع على الاتفاق النهائي بعد اندلاع خلافات قوية مع الدعم السريع انتهت بحرب 15 أبريل الماضي.
وأضاف الكباشي أن البلاد تحتاج إلى جهود وطنية كبيرة ودعم ومساندة خارجية لإعمار ما دمرته الحرب التي دفع المواطنين السودانيين ثمنها الباهظ.
وأثارت تصريحات كباشي ردود أفعال واسعة وحظيت بتأييد سريع من قوى سياسية وحركات مسلحة.
وقال القيادي في قوى الحرية والتغيير خالد عمر يوسف إن تصريحات كباشي “خطوة مهمة في اتجاه وقف الحرب” وفرصة لخيار الحل السلمي التفاوضي الذي يحقن الدماء وينقذ السودان من السير في طريق الانهيار الشامل”.
واضاف في تدوينة عبر حسابه على فيسبوك “نأمل أن يتم استئناف التفاوض في منبر جدة قريباً، وأن تنسق الجهود السودانية والدولية والإقليمية في منبر تفاوضي موحد، يقود لإرساء سلام مستدام وتحول مدني ديمقراطي ينهض على أسس متينة، تستفيد من دروس الماضي، وتؤسس لواقع جديد ينعم فيه شعب السودان بالسلام والحرية والعدالة والعيش الكريم”.
وأثنى رئيس حزب الأمة فضل الله برمة ناصر في تصريح صحفي على حديث الكباشي، حاثا الجيش والدعم السريع على الاقبال نحو مفاوضات جدة. وبدء تفاهمات توصل لوقف إطلاق نار شامل وانهاء الحرب.
كما اعتبر القيادي في ائتلاف الحرية والتغيير محمد الفكي سليمان تصريحات الكباشي الداعية لإيقاف الحرب واستعادة المسار المدني “خطوة في الطريق الصحيح.”
واعتبر المتحدث باسم الجبهة الثورية أسامة سعيد تصريحات كباشي مفتاحية لتحقيق الاختراق المطلوب لكسر حالة الحرب والانتقال لمربع الحلول السلمية بتأكيده على انفتاح القوات المسلحة نحو المبادرات الجادة لوقف القتال ودعمها للحوار الشامل المفضي لتشكيل حكومة مدنية تقود المرحلة الانتقالية وتهيئ البلاد للانتخابات العامة.
وفشلت سلسلة من اتفاقات وقف إطلاق النار السابقة في وضع حد للقتال الذي اندلع في منتصف أبريل في ظل تنافس الجيش وقوات الدعم السريع على السلطة. وأدى هذا الصراع إلى نزوح ما يربو على ثلاثة ملايين شخص، منهم أكثر من 700 ألف فروا إلى البلدان المجاورة.
ويتبادل الطرفان اتهامات ببدء القتال منذ منتصف أبريل الماضي، وارتكاب خروقات خلال سلسلة هدنات لم تفلح في وضع نهاية لاشتباكات خلفت أكثر من 3 آلاف قتيل، أغلبهم مدنيون، وما يزيد على 2.8 مليون نازح داخل وخارج إحدى أفقر دول العالم، بحسب وزارة الصحة والأمم المتحدة.