زيارة البرهان لأنقرة.. بوابة النفوذ التركي المتزايد في السودان
عكست المراسم الرسمية والحفاوة التي استقبل بها الرئيس رجب طيب أردوغان رئيس مجلس السيادة، قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان في المجمع الرئاسي بأنقرة، اليوم الخميس، عمق التحول في العلاقات التركية السودانية. وتأتي هذه الزيارة في توقيت حساس، لترسل رسالة واضحة مفادها أن تركيا تضع ثقلها السياسي والعسكري لدعم حكومة البرهان، مدفوعة برغبتها في تعزيز نفوذها في شرق أفريقيا.
وأشار أردوغان خلال مباحثاته مع البرهان بوضوح إلى تعزيز التعاون في الصناعات الدفاعية. ويمثل هذا الملف حجر الزاوية في الدعم التركي للجيش السوداني، حيث تسعى أنقرة لتثبيت أقدامها كشريك عسكري موثوق عبر تكنولوجيا المسيرات.
وتشير تقارير ميدانية إلى أن المسيرات التركية (مثل بيرقدار) لعبت دوراً محورياً في تغيير موازين القوى في بعض الجبهات السودانية، وهو ما تعززه أنقرة كجزء من دبلوماسيتها الدفاعية.
وتوفر تركيا منصة للتدريب وتطوير الكفاءات، مما يجعل الجيش السوداني مرتبطاً تقنياً وفنياً بالمنظومة العسكرية التركية على المدى الطويل.
وتنظر أنقرة إلى السودان كـ”بيضة القبان” في استراتيجيتها للتوغل في القارّة السمراء، حيث يمتلك البلد ساحلاً استراتيجياً على البحر الأحمر. وتسعى تركيا إلى إعادة إحياء التفاهمات القديمة (مثل اتفاقية جزيرة سواكن) أو تطوير شراكات بحرية جديدة تمنحها موطئ قدم حيوياً ينافس القوى الإقليمية والدولية الأخرى في أحد أهم ممرات التجارة العالمية.
وتسعى الشركات التركية للحصول على امتيازات تنقيب عن الذهب والمعادن، واستثمار الأراضي الزراعية الشاسعة في السودان لتأمين احتياجات الأمن الغذائي التركي، مما يخلق ترابطاً عضوياً بين اقتصاد البلدين.
وحول الصراع الدائر في السودان، أوضح الرئيس التركي أن الصراعات المستمرة أدت إلى واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم وخاصة في منطقة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور/غرب.
ومن خلال التركيز على الأزمة الإنسانية في الفاشر وتقديم المساعدات، تقدم تركيا نفسها كـ”شقيق إسلامي” يهتم بمعاناة الشعب، وهو ما يمنح نفوذها غطاءً أخلاقياً وقبولاً شعبياً يسهل مهامها السياسية.
وتمثل زيارة البرهان لأنقرة تدشيناً لمرحلة “الشراكة الكاملة”. فتركيا لم تعد تكتفي بدور الوسيط الإنساني، بل تتحرك كلاعب استراتيجي يستخدم ثقله العسكري والاقتصادي لضمان بقاء الدولة السودانية تحت قيادة الجيش، مقابل تأمين مصالحها الحيوية في عمق القارة الأفريقية وعلى ضفاف البحر الأحمر.




