Uncategorized

من خزائن الدولة إلى أسواق الذهب السوداء: لماذا استهدفت العقوبات الأمريكية وزير المالية السوداني؟


في خطوة جديدة من الضغوط الدولية على أطراف الحرب السودانية، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات على وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم، إلى جانب فصيل مسلح يعرف باسم “فيلق البراء بن مالك”. القرار يثير أسئلة تتجاوز الحدث نفسه: كيف وصل وزير في الحكومة إلى قوائم العقوبات؟ وما علاقة ذلك بشبكات الاقتصاد الموازي والذهب التي تغذي الحرب في السودان؟

منذ توليه وزارة المالية، ظل جبريل إبراهيم تحت الأضواء. لكن الانتقادات له لم تتوقف: اتهامات بـ”تسييس المالية العامة”، و”تمويل غير مباشر” لفصائل مسلحة من موارد الدولة.
المحلل السياسي السوداني د. الطيب الزين يرى أن العقوبات “تعكس إدراكاً أمريكياً بأن جزءاً من مؤسسات الدولة بات رهينة لحركات مسلحة، وأن التمويل الحكومي يتقاطع مع اقتصاد الحرب”. ويضيف: “جبريل لم يستطع الفصل بين كونه وزيراً في حكومة انتقالية، وقائداً لحركة مسلحة ذات مصالح اقتصادية واسعة”.

تُظهر بيانات من بنك السودان المركزي وتقارير دولية أن أكثر من 60% من النشاط الاقتصادي السوداني يتم خارج القنوات الرسمية، في ما يعرف بـ”الاقتصاد الموازي”.
الخبير الاقتصادي أ. محمد الفاتح يؤكد أن هذا الاقتصاد “يتحكم في تجارة السلع الإستراتيجية مثل الوقود والقمح، والأخطر أنه يسيطر على قطاع الذهب الذي يمثل 80% من الصادرات السودانية”.
ويضيف: “تقديراتنا تشير إلى أن السودان ينتج قرابة 100 طن من الذهب سنوياً، لكن أقل من 30% فقط يدخل عبر القنوات الرسمية. الباقي يُهرّب عبر شبكات معقدة، بعضها مرتبط بشكل مباشر بحركات مسلحة”.

الذهب الذي كان يُفترض أن يكون ثروة قومية، تحوّل إلى لعنة اقتصادية.
وفق تقرير صادر عن “مجموعة الأزمات الدولية” (2024)، فإن التهريب يحرم الدولة من نحو 4 مليارات دولار سنوياً. هذه الأموال تُستخدم في تمويل الحرب وشراء السلاح، ما جعل الذهب في نظر واشنطن عنصراً مركزياً في قرار العقوبات.
ويعلّق الاقتصادي د. سلمى عبد الرحمن: “الولايات المتحدة تستهدف الذهب لأنه العمود الفقري لاقتصاد الحرب. من يسيطر على مناجم الذهب يسيطر على القرار العسكري والسياسي في السودان”.

العقوبات لم تقتصر على جبريل، بل شملت “فيلق البراء بن مالك”، وهو تشكيل عسكري عقائدي ناشئ.
مصادر ميدانية تحدثت لـ”التحقيق” عن أن الفيلق يعتمد على تمويل من شبكات خارجية ترتبط بتيارات إسلامية، إضافة إلى استفادته من تجارة الذهب والضرائب غير الرسمية على طرق الإمداد.
المحلل الأمني م. خالد عبد الله يحذّر من أن “إدخال بعد عقائدي في الصراع السوداني سيجعل الحرب أطول وأصعب حلاً، وهو ما تسعى واشنطن إلى منعه عبر ضرب هذه الفصائل مبكراً”.

  • على المستوى الحكومي: العقوبات تضعف صورة جبريل إبراهيم داخلياً، وتحرج الحكومة في المحافل الدولية.

  • على المستوى الشعبي: المواطن السوداني لن يلمس أثراً مباشراً، لأن الأزمة الاقتصادية قائمة أصلاً، لكن استمرار عزل السودان مالياً قد يزيد من انهيار العملة والتضخم.

  • على المستوى السياسي: قد تستغل بعض القوى الخطوة لتأجيج خطاب “المؤامرة الغربية”، مما يزيد من الاستقطاب الداخلي.

العقوبات الأمريكية ليست مجرد أداة ضغط، بل جزء من إستراتيجية أوسع لتجفيف مصادر تمويل الحرب، وعلى رأسها الذهب والاقتصاد الموازي.
لكن يبقى السؤال: هل ستُرغم هذه الإجراءات الأطراف السودانية على الدخول في تسوية سياسية، أم ستدفعها للبحث عن قنوات تمويل جديدة عبر حلفاء إقليميين ودوليين؟
الإجابة، وفق المحللين، رهن بمدى قدرة السودانيين على استعادة السيطرة على مواردهم وثرواتهم، وإلا ستظل البلاد رهينة لعبة معقدة يتداخل فيها المحلي بالإقليمي والدولي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى