تحقيقات

منظومة الجيش هدفهم التالي.. الإخوان يسعون للعودة من بوابة السلاح


منذ خمسينيات القرن الماضي توغَّل النشاط الإخواني في السودان باسم “الحركة الإسلامية”، وهي جماعة إسلامية سودانية تُعدُّ امتدادًا فكريًّا لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية التي أُسست في عام 1928.

وسعت الحركة إلى الاندماج في الحياة السياسية، ووصلت إلى سدَّة الحكم بانقلاب عسكري في عام 1989، وتولَّت السلطة قرابة 30 عامًا؛ وسقطت كذلك بانقلاب عسكري وثورة شعبية في عام 2019؛ ولكنْ لم يسقط نفوذها؛ إذ ظلت حاضرة في المجتمع السوداني برغم التحولات، والتطورات، والانقسامات الداخلية التي مرت بها؛ مثل التغيير في أسمائها، وإظهار بعض عناصرها التخلِّيَ عن فكر الإخوان، مع أنها لا تزال متأثرة بجذورها الإخوانية؛ فما ملامح الحضور الإخواني بعد انقلاب عام 2019؟ وكيف تفاعلت الجماعة مع الصراع الدائر منذ إبريل 2023 بين قطبي المكوِّن العسكري في السودان؟

اتخذت تيارات جماعة الإخوان المسلمين جملة من الخطوات بين عامي 2019 و2023 لإعادة التموضع السياسي، من بينها تأسيس “حركة المستقبل” بصفتها ذراعًا سياسية جديدة، وتشكيل “التيار الإسلامي العريض”، إضافةً إلى الظهور العلني لعلي كرتي، أحد أبرز قادة الإخوان (تولَّى وزارة الخارجية في عهد البشير بين عامي 2010 و2015)، الذي دعا إلى الاصطفاف خلف الجيش، وهاجم الثورة التي أطاحت عمر البشير، الرئيس السابق. كما سعى الإخوان إلى خلق حالة من الانسداد المجتمعي عبر تغذية خطاب الكراهية، وتأجيج الصراعات، وتكوين ميليشيات قبَلية لعرقلة الجهود المبذولة للتوصل إلى وقف إطلاق نار لإنهاء الحرب الحالية بين القوات المسلحة السودانية، وقوات الدعم السريع.

وبعد مرور عامين على الحرب السودانية تتعزَّز المقاربة التي ترى في جماعة الإخوان المسلمين فاعلًا خفيًّا؛ لكنه جوهري في تعقيد الصراع، ليس عبر انخراطها المباشر في العمليات العسكرية، بل بصفتها عقلًا مدبرًا لها؛ سعيًا منها إلى إعادة التمكين عبر تغلغلها في مفاصل الجيش، واستخدام المؤسسة العسكرية أداةً لمواصلة نفوذها السياسي والأيديولوجي.

ويبرز موقف جماعة الإخوان بصفتها جزءًا من استراتيجية محسوبة لإطالة أمد الحرب، تنطلق من فرضية أن استمرار الصراع سيمكِّن الجماعة من العودة إلى واجهة الحكم عبر تحالفات عسكرية توفر لها الحماية السياسية والقانونية، وتمنع محاسبتها على جرائم ارتكبتها منذ انقلاب عام 1989.

ويُعدُّ الموقف الإخواني من الحرب السودانية امتدادًا لنمط سياسي استخدمته الجماعة تاريخيًّا لتثبيت سلطتها عن طريق إثارة الحروب الداخلية، وتفكيك الجبهة المدنية، واستخدام العنف المسلح أداةً سياسيةً، إلى جانب استغلال الدين لتحقيق مكاسب سلطوية؛ لكنْ في ظل تزايد الضغط الدولي؛ وتدهور الأوضاع الداخلية؛ وانكشاف الدور التخريبي للجماعة في تأجيج الصراع، قد يتجه السودان نحو مرحلة جديدة، لن يكون من السهل فيها على الإخوان إعادة التمكين من دون مواجهة شاملة مع المجتمعَين المحلي والدولي، خاصة إذا نجحت القوى المدنية والوساطات في تحييد الفاعلين العسكريين المتحالفين معهم.

فهناك سيناريوهان محتملان؛ أولهما انحسار الدور؛ أي أنه إذا نجحت الجهود الدولية في فرض إصلاحات داخل الجيش، وقطع العلاقة بينه وبين الإخوان؛ فسيضعف نفوذ الجماعة، وستعود إلى العمل السري، وربما تدخل في عزلة سياسية. أمَّا السيناريو الآخر؛ فهو إعادة التمكين عبر الحرب، ويعني ذلك أنه إذا فشل الضغط الدولي، واستمرت الحرب؛ فقد تنجح الجماعة في إعادة تشكيل نفوذها ضمن مؤسسات الدولة العسكرية؛ ما ينذر باستمرار الصراع، وتكرار سيناريوهات “دولة ظل” تحكم من داخل القوات النظامية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى