صراع الميليشيات يشعل التوتر في شرق السودان ويهدد بحرب جديدة
احتدم الصراع بين المليشيات المسلحة المتحالفة مع الجيش السوداني، في شرقي السودان، ما وضع الإقليم على شفا كارثة حرب جديدة، وفق خبراء وقوى سياسية.
وينحصر الصراع في الوقت الراهن بشكل أساسي بين بعض مكونات “القوة المشتركة” التابعة لحركات دارفور المسلحة، ومليشيات من شرق السودان، يمثلها قائد تحالف أحزاب شرق السودان، شيبة ضرار، وتيارات أخرى لم تظهر علنا لكنها تكتفي في التعبير عن نفسها بالبيانات الصحفية.
ويتمحور الصراع حول رفض المليشيات التي تتحدث باسم شرق السودان، لوجود حركات دارفور المسلحة، في مدينة بورتسودان، حيث يعمل الرافضون على دفع هذه الحركات لأجل إعادتها إلى إقليم دارفور، وفق البيانات والتصريحات المنشورة.
وفي أحدث نسخة للمليشيات المتناسلة ظهر ما يعرف بـ”تيار الشباب البجاوي الحر”، متحدثًا باسم قومية البجا الأوسع انتشارًا في شرق السودان، حيث يرى هذا التيار أن وجود حركات دارفور المسلحة في الشرق أصبح مهددًا لأمن واستقرار الإقليم.
وأعلن التيار عن بدء إجراءات إغلاق كامل لحدود إقليم شرق السودان، كخطوة ضرورية حتى خروج الحركات الدارفورية المسلحة من الإقليم.
وقال البيان إن وجود الحركات المسلحة القادمة من خارج إقليم شرق السودان، “يُمثل خطراً داهماً ليس فقط على الأمن، بل على النسيج الاجتماعي الذي لطالما كان قائماً على التعايش السلمي بين مكوناتنا المختلفة”، مشيرًا إلى ما وصفها بـ”الخطابات التي تثير النعرات القبلية، والتي قد تُهدد وحدة الصف وتماسك المجتمع”.
وأضاف أنه “لا ينكر الأدوار الوطنية الكبيرة التي قدمتها الحركات المسلحة في الدفاع عن السودان، ولا يغفل التضحيات العظيمة التي قدموها في سبيل الوطن، ولكننا نؤمن بأن وجود هذه القوات في إقليمنا دون تنظيم أو تنسيق قد يؤدي إلى اضطرابات نحن في غنى عنها”.
وأكد أن تحركاتهم تأتي من أجل حماية إقليم شرق السودان من أي توترات محتملة قد تُشعل الفتنة، مؤكدًا أن هذه الخطوة ليست عداءً لأحد، بل هي حرصٌ على إبعاد الإقليم عن أي مواجهات أو صراعات قد تجره إلى حالة من عدم الاستقرار.
ويأتي بيان ما يعرف بـ”تيار الشباب البجاوي” بعد ساعات من تصريحات حاكم إقليم دارفور ورئيس حركة تحرير السودان، مني أركو مناوي، التي فتح فيها النار على الجميع، حيث هاجم قيادة الجيش السوداني، ملمحًا إلى أن بعضهم وراء الحملة الإعلامية التي يقوم بها صحفيون ضد حركات دارفور.
وكانت الصحفية المقربة من دوائر الجيش السوداني، رشان أوشي، نشرت ما قالت إنها معلومات من وثيقة “محضر اجتماع” انعقد قبل أسابيع في منزل رئيس حركة العدل والمساواة، وزير مالية السودان، الدكتور جبريل إبراهيم، ضم قادة الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق “جوبا” والمتحالفة مع الجيش السوداني.
وقالت إن الاجتماع ناقش ضرورة الضغط على جنرالات الجيش السوداني لإعادة توزيع أنصبة السلطة الانتقالية، ومنح الحركات المسلحة نسبة (50%) من الحكومة، وتحديداً وزارات: الخارجية، والداخلية، والمالية، والمعادن، فضلًا عن منصبي رئيس الوزراء والنائب الأول لرئيس مجلس السيادة الانتقالي، وذلك بحجة أن قواتهم تقاتل في الميدان.
حلف بورتسودان
وحول هذه التطورات علق عضو الهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية، خالد عمر يوسف، بقوله إن قيادة الجيش السوداني ليست بمعزل عما يجري من صراعات داخل “حلف بورتسودان”، بل هي جزء لا يتجزأ من تلك الصراعات، وهو ما ينذر بأن القادم أسوأ لا محالة، وفق قوله.
وأضاف أن “حلف بورتسودان يجتمع على شيء واحد فقط وهو استثماره في هذه الحرب ورغبته في إطالة أمدها بغرض التكسب منها دون أدنى اهتمام لكلفتها الإنسانية العالية وآثارها الكارثية على البلاد والعباد، وأن جوهر الصراع الحالي هو صراع حول غنيمة السلطة والثروة، ويتسابقون حول من يكون له القسط الأوفر منها فحسب”.
وذكر عمر في تدوينة عبر منصة “إكس” أن “عناصر حلف بورتسودان يتسابقون على السلطة والثروة، ولا يعيرون أدنى اهتمام لمأساة المواطنين، ضحايا الحرب والأوبئة”.
وقال: “هذه حرب سلطوية إجرامية لا خير فيها، يسفك أطرافها الدماء ويتكسب بعضهم بمأساة الناس ويقرع طبول استمرارها فئة منزوعة الخلق والضمير، وكلهم والغ في الدماء وشريك في هذا الجرم، هي حرب ذات أهداف إجرامية ويدفع ثمنها الشعب السوداني الأعزل الذي لا ناقة له فيها ولا جمل”.
غنيمة السلطة
ويرى المحلل الأمني عادل بشير، أن “الصراعات داخل مجموعة بورتسودان، هي في الأصل صراع بين حركات دارفور المسلحة والجيش السوداني، حول الغنيمة من السلطة والثروة”، وفق تعبيره.
وقال بشير إن “الحركات المسلحة بعد أكثر من عام على مساندتها للجيش السوداني، طالبت بنصيبها في السلطة والثروة، وفق ما تم تسريبه إلى الإعلام”.
وأشار إلى أن “البرهان وجنرالات الجيش لا يريدون لأحد أن يزاحمهم في السلطة والثروة، الأمر الذي جعلهم يخلقون هذه الصراعات عبر مليشياتهم المصنوعة للضغط على الحركات المسلحة للتراجع عن مطالبها”.
وأوضح أن الجيش جاء بمليشيا “الأورطة الشرقية” التي ظهرت مؤخرًا لتكون بديلة للقوة المشتركة للحركات الدارفورية المسلحة، بعد ان طالبت بحصتها في السلطة والثروة.
وتعد قوات “الأورطة الشرقية” برئاسة الأمين داؤود، من أحدث الميليشيات التي برزت إلى السطح في إقليم شرق السودان، حيث أعلنت انتشارها في مدينة كسلا الأسابيع الماضية؛ ما فجّر الخلافات بينها والقوة المشتركة للحركات المسلحة من جهة، و”قومية البجا” من جهة أخرى.
وتضم قوات “الأورطة الشرقية” مقاتلين من قبيلة “البني عامر” المشتركة مع دولتي السودان وإريتريا، ويرأسها الأمين داؤود، الذي يرأس تنظيم “الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة”، والذي كان جزءًا من اتفاق “جوبا للسلام” في السودان، ولكنه وجد معارضة واسعة في الشرق؛ ما علّق تنفيذ الاتفاق هناك.
وتعد قوات “الأورطة الشرقية” ضمن أربع ميليشيات تلقّت تدريبات عسكرية في معسكرات في إريتريا؛ ما يثير مخاوف من تفجّر الصراع في إقليم شرق السودان. من بين هذه الميليشيات التي جاء بها البرهان لمساندته في حربه ضد قوات الدعم السريع.