أحداث

نتائج مؤتمر أديس أبابا تصب في مصلحة المعسكر الداعم للحرب في السودان


 أثارت النتائج التي خرجت بها القوى السياسية في المشاورات التي دعا إليها الاتحاد الأفريقي بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا جدلاً سياسيًا واسعًا في السودان، بعد أن قضت على التقدم البسيط الذي تحقق في مؤتمر القوى السياسية الذي عقد في القاهرة مؤخرا، ما يشير إلى أن وضع العثرات أمام الحل مازال سائداً من جانب تيارات محسوبة على نظام الرئيس السابق عمر البشير وتدعم استمرار الجيش في الحرب الدائرة الآن.

وجاءت المخرجات داعمة بامتياز لمعسكر متطرف يسعى لإذكاء الصراع الحالي، ولم تتحدث عن إقصاء حزب المؤتمر الوطني المنحل صراحة وتركت فجوات عدة لمشاركة قياداته في ما قالت إنه “حوار سوداني – سوداني شامل”، استثنى من “صدرت بحقهم أحكام بموجب القانون تحت طائلة جرائم الحرب أو جرائم الإبادة الجماعية أو بموجب الوثيقة الدستورية” التي انقلب عليها الجيش من قبل.

وتجاوز المجتمعون في مؤتمر القاهرة الاستقطاب الحاصل بشأن إدانة أطراف بعينها، ورفضوا جميع أنواع الانتهاكات التي حدثت بحق المدنيين، لكن مؤتمر أديس أبابا الذي رعاه الاتحاد الأفريقي واختتم اعماله الاثنين أدان قوات الدعم السريع وتغافل عن جرائم الجيش، ما يشي بأن المجتمعين تموضعوا في صف قوى عسكرية يسيطر عليها التيار الذي تقوده الكتلة الديمقراطية وتلعب من خلاله دور الحاضنة السياسية للجيش.

والأكثر من ذلك أن القوى السياسية التي من المفترض أنها تدعم الوصول إلى حكم مدني وتعارض أي محاولات من شأنها الانقلاب على الشرعية الدستورية التي جاءت بمحض ثورة على نظام البشير، دعت إلى إنهاء تعليق عضوية السودان بالاتحاد الأفريقي، وعمدت إلى توفير دعم سياسي طالما انتظره قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان لإيجاد مشروعية سياسية لانقلابه على السلطة المدنية في أكتوبر 2021.

وشاركت في مؤتمر أديس أبابا أكثر من 20 كتلة وحزب ومجموعات مدنية وشبابية، تساند أغلبيتها الجيش، وأبرزها قوى الحرية والتغيير – الكتلة الديمقراطية برئاسة جعفر الميرغني، وكتلة الحراك الوطني بزعامة التجاني السيسي، والتراضي الوطني برئاسة مبارك الفاضل المهدي، في حين قاطعته تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) التي يتزعمها رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك.

ويرى مراقبون أن المكونات التي شاركت في المشاورات حاولت إيجاد وزن سياسي لها يقابل قوة تأثير “تقدم”، وهدفت إلى التأكيد على أنها قادرة على إفشال أي مساع من شأنها إحداث التوافق السياسي المطلوب وتغافلت عن كونها قوى ليس لديها تأثير في الشارع ولن يؤدي استبعادها من المشهد إلى تأثيرات كبيرة مقارنة بالقوى الثورية الأخرى التي مازالت خارج إطار التحالف المدني، في مقدمتها الحزب الشيوعي وجزء من تجمع المهنيين، إلى جانب بعض تنسيقيات لجان المقاومة.

ومن وجهة نظر هؤلاء فإن هذه التكتلات التي يغلب عليها الطابع الشكلي وتتفق فقط على إيجاد مشروعية لأقطاب النظام السابق تحتمي بالحركات المسلحة التي تنتمي إليها وتمتلك السلاح، وتلعب على تناقضات تواجدها تحت إطار ما يُسمى بـ”الكفاح المسلح” وأيضَا تبعيتها لـ”القوى السياسية المدنية”، وتعول على حالة الفوضى التي تسيطر على المشهد العام بالسودان لإيجاد مساحات للحركة مستغلة حالة الدعم التي تحظى بها من قوى خارجية وتمنحها فرص التعبير عن نفسها.

وقال المحلل السياسي حاتم إلياس إن ما حدث في مؤتمر أديس أبابا يمكن أن يُوصف بأنه “رحلة ترفيهية” للقوى الموالية للمؤتمر الوطني المنحل، أكثر من كونه حدثا سياسيا يمكن أن يخلق تأثيره، وإن مكان انعقاد المؤتمر أو الأطراف الراعية له لا يشكلان عاملاً إضافيًا مؤثراً في المخرجات، والأهم هو ثقل القوى التي شاركت فيه وتأثيرها على المجال السياسي العام وقضية وقف الحرب.

وأضاف إلياس أن القوى التي ذهبت إلى إثيوبيا جاءت وهي متفقة على ما أعلنته من مخرجات، ولم تكن جديدة على توجهاتها السياسية، كما أن انخراط عدد من الأطراف المشاركة بالمؤتمر في الحرب الدائرة الآن يجعلها جزءا من المشكلة الحالية وليس من الممكن أن تصبح أدوات للحل.

وأشار إلى أن القوى السياسية السودانية الآن في أحسن حالاتها من حيث القبول الدولي والمحلي في ظل القناعة التي وصل إليها السودانيون بأن هذه الحرب أشعلتها الحركة الإسلامية بحسابات خاطئة وكارثية شردت الشعب السوداني، كما أن الدعاية التي حاول الجيش صنعها لم تصمد أمام واقع الهزائم التي يتلقاها ووضوح الإهمال المريع في تجهيز الجيش بسبب فساد المنظومة العسكرية.

وتتماشى مخرجات مؤتمر أديس أبابا، التي تطرقت إلى عقد مؤتمر سوداني – سوداني داخل البلاد، مع سعي الجيش إلى تفويت الفرصة على محاولات الوصول إلى هدنات من شأنها أن تمنح فرصة لالتقاط الأنفاس ويمكن أن تقود إلى وقف الحرب، وتتحدث النتائج الأخيرة عن إجراءات شكلية يصعب تنفيذها على أرض الواقع.

وبالتزامن مع انتهاء المؤتمر ظهر مساعد قائد الجيش السوداني ياسر العطا ليؤكد على أن “القوات المسلحة لن تتفاوض مع قوات الدعم السريع حتى وإن استمرت الحرب لنحو مئة عام”، واعتبر أن ذلك “تأجيل للمعركة وعودة إلى المشاكل السياسية والعسكرية والأمنية وتعطيل نماء الدولة السودانية”.

وأوضحت نائبة رئيس هيئة محامي دارفور نفيسة حجر أن المشاركين في مشاورات أديس أبابا حاولوا بكافة السبل الانقضاض على ما حققه مؤتمر القاهرة من تقدم أرضى الجزء الأكبر من القوى السياسية وكسر الجمود الحاصل بين “تقدم” والكتلة الديمقراطية، مع تمترس كل مجموعة حول آرائها، مشيرة إلى أن تقزيم الأزمة وحصرها في إدانة طرف وترك الآخر يبرهنان على أن القوى التي شاركت في المشاورات الأخيرة هدفها البعد عن الحلول الرئيسية التي يُمكن أن تُنهي الحرب.

وأكدت حجر أن مخرجات أديس أبابا برهنت على أن هذه المجموعات لا تؤمن بوجود مؤسسات قانونية من المفترض أن تحدد في أعقاب نهاية الحرب هوية الأطراف التي ارتكبت الانتهاكات بحق المدنيين، وأن الجميع ضالعون في هذه الانتهاكات بمن فيهم المدنيون الذين جرى تجنيدهم للمشاركة في صفوف الجيش، وكذلك الحركات المسلحة التي تقاتل إلى جانب الجيش وتشكل قوة رئيسية في الكتل التي شاركت في الاجتماعات الأخيرة، كما أن توجيه التهم لا يمكن أن يتم بهذا الشكل الذي يبرهن على وجود تدخلات من أحد الأطراف المتصارعة لتوجيه ضربات سياسية إلى الطرف الآخر.

واعتبرت أن إدانة طرف وترك آخرين يشكلان ردة كبيرة وتراجعا في المواقف التي اقتربت القوى السياسية من التوافق حولها، بعد أن تحركت “تقدم” خطوات إلى الأمام واتفقت على ضرورة وقف الحرب التي شردت الملايين وتسببت في أكبر أزمة نزوح بالمنطقة، مشيرة إلى أن المجموعات التي تهيئ الأوضاع لاستمرار الحرب هي أغلبها حركات لديها قوات مقاتلة، وهي تتميز بالتأرجح في مواقفها لتفويت الفرصة على أي توافق، ما يشكل تهديدا كبيراً لأي عملية سياسية مستقبلية، وأن التعويل يبقى على خلق تجمع مدني واسع يستطيع أن يتجاوز هذه المجموعات.

وشاركت في اجتماعات الاتحاد الأفريقي حركات مسلحة رئيسية تشارك إلى جانب الجيش في معاركه، وأبرزها حركة العدل والمساواة التي يتزعمها جبريل إبراهيم وزير المالية الحالي، وحركة جيش تحرير السودان جناح مني أركو مناوي حاكم إقليم دارفور، والحركة الشعبية – شمال بقيادة مالك عقار الذي يشغل أيضا منصب نائب رئيس مجلس السيادة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى