أحداث

500 يوم من حرب السودان: انسداد الأفق السياسي وتفاقم الأزمات الإنسانية


500 يًوم قاسية ومدمرة عاشها السودان منذ بداية الحرب، دفع فيها المدنيون الثمن الفادح، ولا يزال القتال مستمرا دون أفق.

فالحرب التي اندلعت منتصف أبريل/نيسان من العام الماضي، بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وهو أيضا رئيس مجلس السيادة، وقوات الدعم السريع بقيادة حليفه ونائبه السابق محمد حمدان دقلو، لم تدمر فقط الاقتصاد والبنية التحتية، بل تهدد كيان الدولة في وجودها، في ظل غياب حل سياسي لم تفلح أروقة التفاوض من الوصول إليه.

ويستمر القتال في جبهات مختلفة في البلاد بينها الخرطوم ودارفور (غرب)، وسط فشل متكرر لمحاولات دولية ترمي لوقف الحرب، بسبب تعنّت طرفيها. 

ومع استمرار المعارك الحربية، وإغلاق الممرات الإنسانية أمام فرق الإغاثة، ضربت المجاعة أجزاء واسعة من البلاد.

ويقول برنامج الغذاء العالمي إن السودان يعاني من أكبر أزمة جوع في العالم، وإن 25.6 مليون شخص يعانون من جوع حاد.

وذكرت المتحدثة باسم البرنامج في السودان، ليني كنزلي، للصحفيين الجمعة الماضية في جنيف، أن هذا يعني أن 54% من السكان يعانون من الجوع.

وأشارت إلى أن واحدا من كل اثنين من السودانيين غير قادر على توفير وجبة أساسية يومية، ويكافح كل يوم فقط للحصول على الطعام.

مشاورات بلا حلول

والجمعة الماضية، انتهت محادثات بشأن السودان في سويسرا، غاب عنها الجيش، من دون اتفاق لوقف إطلاق النار، لكن الطرفين المتحاربين التزما بضمان الوصول الآمن ومن دون عوائق للمساعدات الإنسانية عبر ممرين رئيسيين.

سبق لطرفي النزاع إجراء جولات من المباحثات في مدينة جدة السعودية تم الاتفاق خلالها على احترام المبادئ الإنسانية والسماح بدخول المساعدات التي تشتد الحاجة إليها، من دون التمكن من تحقيق خرق جدي أو الاتفاق على وقف مستدام للنار.

تفشي المجاعة

وتفشت المجاعة في العاصمة الخرطوم، وولايات الجزيرة وسنار، ودارفور، وكردفان، والنيل الأزرق، بسبب نقص الغذاء وإغلاق المطابخ المركزية الخيرية، التي تعتمد على التحويلات البنكية التي توقفت بسبب انقطاع الاتصالات والإنترنت.

وذكرت لجنة مراجعة المجاعة التابعة للأمم المتحدة مؤخرا، أن 13 منطقة أخرى على حافة المجاعة، معظمها في دارفور وكردفان والخرطوم والجزيرة.

فيما أبلغ شهود عيان أن مجموعات سكانية في مناطق النزاع اضطرت إلى أكل أوراق الأشجار كمصدر رئيسي للغذاء.

كما أعلنت غرفة طوارئ (نشطاء) مدينة الدندر بولاية سنار، ارتفاع الوفيات بين المرضى وكبار السن في الأحياء الغربية والبردانة وقرى غرب الدندر، بسبب سوء التغذية وانعدام الرعاية الصحية، بعد سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة.

كما أعلنت السلطة المدنية التابعة للحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو، مؤخرا، تسجيل 37 حالة وفاة بسبب سوء التغذية في ثلاث مقاطعات بمنطقة جبال النوبة “جنوب” نتيجة لانعدام الطعام.

وكشفت عن وقوع مجاعة في مناطق سيطرتها في جنوب كردفان والنيل الأزرق، التي تأوي حوالي 3 ملايين شخص، دون تأكيد من الأمم المتحدة.

وتؤكد تقارير أممية أن 3.6 مليون طفل و1.2 مليون أم حامل أو مرضعة يعانون من مستويات سوء تغذية غير مسبوقة في السودان.

انهيار النظام المصرفي

الأكثر من ذلك، انخفض إنتاج الحبوب في السودان بمعدل 40% خلال الفترة بين 2022 و2023، وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.

بدوره، ذكر صندوق النقد الدولي أن نصف السكان في السودان الآن عاطلون عن العمل. كما أن النظام المصرفي قد انهار، ولا يمكن سحب الأموال من فروع المصارف. ومن الصعب إرسال أو استقبال الحوالات المالية.

وتزايدت دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب لتجنب السودان كارثة إنسانية، تدفع الملايين نحو المجاعة والموت بسبب نقص الغذاء نتيجة القتال الذي امتد إلى 13 ولاية من أصل 18.

مأساة السيول والفيضانات

وكما عانى السودانيون الآثار الكارثية للحرب، يعيشون حاليا مأساة أخرى إثر السيول والفيضانات وانتشار الأوبئة التي خلفت أضرارا بشرية ومادية كبيرة في جميع أنحاء البلاد.

وأفاد شهود عيان أن منطقة “طوكر” شرقي السودان، شهدت خلال الساعات الماضية، هطول أمطار غزيرة وفيضانات، أسفرت عن مصرع 14 شخصا، وتدمير كلي وجزئي للمنازل في المنطقة.

ووقف رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، مساء الإثنين، على حجم الأضرار الناجمة عن السيول التي اجتاحت منطقة “طوكر”، برفقة والي (حاكم) ولاية البحر الأحمر مصطفى محمد نور، وشاركا في مراسم تشييع ضحايا السيول.

وأعلن البرهان، وفق بيان صادر عن مجلس السيادة، التزام الدولة بتقديم الدعم للمتضررين من الأمطار والسيول، وتقديم العون والدعم اللازم لهم لتخفيف معاناتهم وتسخير كافة أجهزة الدولة لمساعدة المتضررين لتجاوز المحنة.

انهيار سد أربعات

وتسبب السيول والفيضانات مؤخرا في انهيار سد “أربعات” شرقي السودان، ما أدى إلى احتماء السكان بالجبال.

وأفادت تقارير إعلامية، أن فرق الإنقاذ عثرت على 13 جثة، في ظل عمليات البحث عن عشرات المفقودين بالطائرات المروحية.

فيما أبلغ شهود عيان أن المياه الغزيرة غمرت حوالي 20 قرية، بينما تعرضت حوالي 50 قرية إلى أضرار جزئية وكلية.

وتأسس سد “أربعات” عبر حفر سلسلة من الآبار الصحية التي تُغذى بواسطة مياه الأمطار، إذ صُمم بسعة تبلغ 15 مليون متر مكعب من المياه، لكن أخطاء التشغيل خفضت السعة التخزينية إلى 5 ملايين متر مكعب بعد تراكم الطمي.

وذكر تجمع البيئيين السودانيين، في بيان، أن سد أربعات بسعته الحالية “يغطي أقل من 60% من احتياجات بورتسودان لمياه الشرب، والمدينة مهددة بالعطش الكامل في الأيام المقبلة بعد انهيار السد”.

أضرار كبيرة

إلى ذلك، كشف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في السودان “أوتشا”، عن تأثر 317 ألف شخص وتضرر 58 ألف منزل جراء الأمطار والسيول التي اجتاحت 60 منطقة في 16 ولاية.

وذكر المكتب أن خطر تفشي الأمراض ومياه الفيضانات الراكدة مرتفع في جميع الولايات المتضررة، فيما أكدت وزارة الصحة إصابة 556 فردًا بالكوليرا التي أودت بحياة 27 آخرين في ولايات كسلا والقضارف والجزيرة والخرطوم.

ومع تزايد هطول الأمطار والسيول والفيضانات، أعلنت غرفة طوارئ القضارف شرقي السودان، في بيان، عن زيادة معدلات الإصابة بالكوليرا في 5 محليات بالولاية.

وأعلنت وزارة الصحة الاتحادية، الثلاثاء، الماضي، زيادة الإصابة بالكوليرا إلى 556 حالة، وسط تزايد حالات الملاريا والتهاب العين الملتحمة والعمى الليلي.

ومؤخرا، بدأ موسم هطول الأمطار الذي عادة ما يؤدي إلى حدوث سيول وفيضانات وازدياد مخاطر الإصابة بالأمراض المنقولة عن طريق المياه في ظل توالد البعوض وتراكم النفايات.

ويستمر موسم الأمطار الخريفية الغزيرة في السودان في الفترة ما بين من يونيو/حزيران، وأكتوبر/تشرين الأول من كل عام.

وتقول الأمم المتحدة، إن السودان الذي كان، حتى قبل الحرب، من أفقر بلدان العالم، يشهد “واحدة من أسوأ أزمات النزوح في العالم، وهو مرشح لأن يشهد قريبا أسوأ أزمة جوع في العالم”.

ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش وقوات “الدعم السريع” حربا خلّفت نحو 15 ألف قتيل وأكثر من 8 ملايين 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى