هل فقد أنصار “البرهان” ثقتهم بالجيش؟
أكد ساسة سودانيون، أن الإخفاقات المتتالية للجيش السوداني أمام قوات “الدعم السريع”، التي تتمدد في أرجاء السودان، أثرت بشكل كبير على ثقة أنصار ومؤيدي قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، في المؤسسة العسكرية.
وبينوا أن هيمنة “الإسلاميين” داخل الجيش على القرار، أثرت على قدراته القتالية والتكتيكية، لاسيما بعد أن انحرف الكثير من القيادات والضباط في الجيش عن أدوارهم ومهامهم، واتجهوا إلى أعمال أخرى على رأسها التجارة.
وأوضح السياسيون أن انسحاب الجيش وهرولة عناصره من مواقعهم من مدن عدة لاسيما ما جرى في ولاية “سنار”، دون تقديم أي غطاء للمدنيين، يؤثر على ثقة المدنيين فيه على المدى القريب.
وأشاروا إلى أن تردي الأوضاع المعيشية مع ما يرصده المدنيون بأعينهم من أن المساعدات الإغاثية، التي في عهدة الجيش والمفروض توزيعها على الأهالي، يتم بيعها في الأسواق، تؤثر أيضًا على ثقة المدنيين بالمؤسسة العسكرية.
وكانت ولاية “سنار”، بحسب متابعين، شاهدة على فشل الجيش في الحفاظ على المناطق التي سيطر عليها، والانسحاب منها تاركًا أسلحة وذخائر ومعدات عسكرية في وحداته كـ”غنيمة”، ما جعل المدنيين مهددين في هذه المناطق بعمليات سلب ونهب سواء من خارجين عن القانون أم قطاع طرق أم هجمات يشنها مقاتلون “إسلاميون” كانوا برفقة الجيش.
ودفع ذلك الأمر وجهاء بعض المناطق، ومنها مدينة “المزموم” في ولاية “سنار”، لتوجيه مناشدات لقوات “الدعم السريع”، لتشكيل لجنة إدارة أهلية، لحماية المنطقة بناءً على طلب السكان، بعد انسحاب الجيش من المدينة، وترك معدات عسكرية في مقر “اللواء 66 مشاة” ضمن الفرقة “17 مشاة” ومناطق عسكرية أخرى، منها عربات ومدافع وصناديق ذخائر وأسلحة خفيفة.
إخفاقات متتالية
ويقول السياسي السوداني عادل ياسين، إن الإخفاقات المتتالية والمستمرة على عدة وسيطرة “الدعم السريع” على مناطق محورية وإستراتيجية، أدى إلى خروج تجمعات وقبائل من معادلة مساندة الجيش، لا سيما بعد الانسحاب من مناطقهم وعدم القيام بالدور المنوط به، خاصة أن هناك عدم سيطرة من جانب قيادات الجيش على مجموعات وتيارات مسلحة تحارب في صفوفهم، وقاموا بعمليات نهب وسلب في أثناء انسحابهم من بعض المدن.
وأوضح أن أنباء الانسحاب الذي تم من جانب قوات الجيش في مدن وولايات، جعل مؤيدين له في مناطق سيطرة له في الوقت الحالي، يلتزمون الحياد ويفضلون عدم المشاركة فيما يعرف بـ”الكتائب الشعبية”.
ولفت ياسين إلى أن ذلك الحياد جاء أيضًا “بعد أن تواردت لهم أخبار الانسحاب من مدن عدة لا سيما ما جرى في ولاية “سنار”، دون تقديم أي غطاء للمدنيين، مع تردي الأوضاع المعيشية مع ما يرصدونه بأعينهم من أن المساعدات الإغاثية التي من المفترض أن توزع على الأهالي، يتم بيعها في الأسواق خاصة أنها في عهدة الجيش، وبيعها يعد متاجرة بأوضاعهم.
معاناة متوارثة
بدوره قال الباحث السياسي، الدكتور عبد الباقي علي أزرق، إن الجيش السوداني اُخْتُطِف من جانب الجبهة الإسلامية، التي جعلته “ميليشيا” تابعة لها، فضلًا عن أن دور ومهام القيادات العسكرية تبدد حتى أصبحوا على حد وصفه “تجارًا” في الغلال والحطب والمعادن والمساعدات الغذائية، تاركين مهامهم الأساسية الدفاعية، ما جعلهم يفقدون أي خبرات في التكتيك الإستراتيجي، مقابل تركيز “الدعم السريع” على تطوير قدرات مقاتليه وعناصره في الميدان العسكري”.
وأرجع فقدان قطاع كبير من الشعب السوداني، الثقة بالجيش، إلى تراكمات تحمل معاناة متوارثة من أعمال بطش مُورِسَت ضد أهالي عدة مناطق في أنحاء السودان، عقب مسار مليء بالانقلابات العسكرية المتتالية”.
وأضاف أزرق أن فقدان الثقة ازداد، لا سيما أنه من المفترض أن يقدم “الجيش” للمدنيين الحماية في المناطق التي يسيطر عليها، ولكن قواته تنسحب تاركة “الأهالي” في ملاقاة مصير مجهول، ثم تخرج قيادات من الجيش بشكل متكرر، تعلل “الهروب” على أنه “انسحاب تكتيكي”، بعد أن كانوا يدعون المدنيين إلى دعمهم تحت مسمى “الدفاع عن الوطن والبلاد”.
عناوين عريضة
وتحدث عضو المؤتمر التأسيسي لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم”، علي يونس، عن واقعة وجود “البرهان” ومتابعته للعمليات العسكرية والاستعدادات الميدانية، عند دخول “الدعم السريع” مدينة “سنجة” عاصمة ولاية سنار منذ أيام، وما تردد عن مغادرته عبر “مروحية” مع تأزم وضع قواته، ومن ثم انتشار مقاطع مصورة توضح خلو مقرات عسكرية تابعة للجيش واستيلاء “الدعم السريع” على آليات عسكرية وذخائر وعربات وأسلحة خفيفة بعد هروب عناصر القوات المسلحة من مواقعها.
وعدّ أن تلك الأمور كلها”هي عناوين عريضة ومتوالية كفيلة باهتزاز الثقة من جانب أنصار “البرهان” ومؤيديه مع التغيير الذي تشهده خريطة السودان في الأسابيع الأخيرة ميدانيًا، والتي توضح فقدان الجيش مدن وولايات بأكملها دون اشتباك مع “الدعم السريع” وتفضيل عناصر القوات المسلحة الانسحاب بدلًا من المواجهة، في عدم ثقتهم بـ”تكتيكات” قياداتهم.
ولفت يونس إلى أن الفاعلية العسكرية والميدانية للجيش تأثرت بتغيرات في غاية الأهمية، ما بين فقدان القوات المسلحة، كميات كبيرة من الآليات العسكرية والمعدات، ما أثر على قدراته التسليحية من جهة.
ومن جهة أخرى ما جرى من الإطاحة بقيادات عسكرية من مناصبهم، بعد أن دخلوا في صدامات مع الإسلاميين المتحكمين في كافة القرارات ، وهو ما أفقد الجيش في معاركه بطبيعة الحال أساسيات تتعلق بـ “التكتيكات الميدانية”، وفقًا ليونس.
ونوه إلى أن “هناك قيادات بالجيش لها خبرات عسكرية، ترفض هيمنة الإسلاميين في صفوف القوات المسلحة على القرار ومن ثم تدخلهم في عملهم الميداني، قررت الهروب لاسيما أن هناك ضباطًا كبارًا تحملهم مسؤولية خسارة الجيش في مواجهات مع الدعم السريع وتم تصفيتهم، عبر قرارات من كوادر إخوانية في صفوف الجيش دون الرجوع إلى البرهان”.