هل تنجح “عملية نيون” في تحقيق السلام بالسودان؟
اعتبر خبراء أن ما توافقت عليه القوى السياسية السودانية في اجتماعات نيون السويسرية، خلال اليومين الماضيين، بأنه اختراق كبير في جدار الأزمة السودانية، قد يسرع من جهود وقف الحرب التي تعصف بالبلاد.
وكان عدد من القوى السياسية السودانية والشخصيات الوطنية قد اجتمعت في مدينة نيون السويسرية خلال الفترة من 25-27 نوفمبر المنصرم، وتوافقت على “مقترح مبادئ وأسس وآليات الحل السياسي الشّامل للأزمة الوطنية بالسودان”.
وجاءت الاجتماعات بدعوة من وزارة الخارجية السويسرية ومنظمة “برو ميدييشن” الفرنسية، الناشطة في ملف الأزمة السودانية.
الوثيقة
ونصت وثيقة الاتفاق التي عرفت بـ”عملية نيون”، على وحدة السودان وسيادته الكاملة على كافة أراضيه، وتأسيس دولة مدنية ديمقراطية محايدة تقف على مسافة واحدة من الأديان والهويات والثقافات، وتعترف بالتنوع وتعبر عن كل مكوناته بالمساواة والعدالة، وفق إطار دستوري وسيادة حكم القانون.
كما نصت على تأسيس جيش وطني واحد وموحد ومهني، بمنأى عن التأثيرات السياسية والحزبية. وتأسيس نظام حكم فيدرالي حقيقي يرتكز على الاعتراف بالحق الأصيل لكل الأقاليم في إدارة شؤونها السياسية والاقتصادية والثقافية.
كذلك نصت الوثيقة على “إطلاق عملية شاملة للعدالة والعدالة الانتقالية؛ لضمان المساءلة عن الجرائم المرتكية منذ انقلاب البشير في 30 يونيو 1989، وتسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، والجرائم المرتكبة في حرب 15 أبريل 2023”.
وتضمنت أيضا “تفكيك تمكين نظام الثلاثين من يونيو لإنهاء حالة اختطاف الدولة بما في ذلك استرداد الأموال والمقدرات العامة المنهوبة، والانتقال من دولة الحزب إلى دولة الوطن”.
واقترحت قيام عملية سلام شاملة وموحدة ومتزامنة تخاطب المسارات الإنسانية والعسكرية والأمنية والسياسية، وتشكيل هيكل تنسيقي لضمان انسجام وتناسق وفعالية جميع المسارات المختلفة.
وأقرت الوثيقة تشكيل لجنة مشتركة من قيادات القوى السياسية والمدنية لإجراء المشاورات والتحضير لمؤتمر رسمي للقوى السياسية؛ بهدف اعتماد إعلان مبادئ وتبني أطروحات مشتركة لعملية السلام الشامل.
وتسعى كافة الأطراف السياسية والمدنية وفق آلية يُتفق عليها إلى حثّ الأطراف المتحاربة ودفعها إلى استئناف المحادثات بسرعة، والتوصل إلى وقف فوري لإطلاق وتنفيذ الالتزامات التي تم التوصل إليها في جدة، وفق وثيقة “عملية نيون”.
نسخة مطورة
ورأى المحلل السياسي، صلاح حسن جمعة، أن الوثيقة التي توافقت عليها القوى السياسية السودانية التي اجتمعت بسويسرا، هي نسخة مطورة لجميع وثائق حل الأزمة السودانية منذ سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير، وحتى الحرب الجارية بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وأضاف أن “كل تلك الوثائق بدءًا بالوثيقة الدستورية الحاكمة في الفترة الانتقالية مرورًا بالاتفاق الإطارئ قبل الحرب وانتهاءًا بوثائق اتفاق جدة والمنامة بين الجيش والدعم السريع، ولقاءات القوى السياسية في القاهرة وأديس أبابا وجنيف، جميعها نصت على تفكيك البُنية الاقتصادية والأمنية لنظام الرئيس السابق عمر البشير”.
وأشار إلى أن ما يميز وثيقة “عملية نيون” هي أنها ضمت لأول مرة قوى من معسكر الجيش السوداني، كانت طوال الفترة الماضية رافضة للتفاوض مع قوات الدعم السريع ووقف الحرب على نحو ما تطالب به القوى المدنية والمبادرات الإقليمية والدولية.
وبين أن تراجع هذه القوى وقبولها بوثيقة لإنهاء الأزمة متضمنة ذات ما ظلت ترفضه خلال الفترة الماضية يعد تطورًا في اتجاه وقف الحرب بالسودان.
وأضاف أن “القوى التي توافقت على وقف الحرب في نيون تمثل الأغلبية الساحقة في السودان، حيث لم يتخلف عنها إلا مجموعة نظام البشير السابق، واثنين من حركات دارفور المسلحة، ما يعني أن ما تتوافق عليه هذه القوى سيكون أساس المشروع السياسي الذي يوقف الحرب ويؤسس للحكم المدني الانتقالي”.
وكان رئيس حزب الأمة، مبارك الفاضل، الذي شارك في الاجتماعات، وهو أبرز حلفاء الجيش، قال على منصة “إكس” إن “الاجتماعات انتهت بنجاح منقطع النظير شكل اختراقا سياسيا غير مسبوق توحدت بموجبه قوى سياسية ومدنية وحركات مسلحة ذات وزن حول وثيقة شاملة لمواجهة الأزمة السياسية والإنسانية غير المسبوقة في وطننا السودان”.
أبرز التطورات
من جهته اعتبر المحلل السياسي، عمر محمد النور، ما تم في “عملية نيون” بأنه اختراق كبير في ملف الأزمة السودانية، ويعد من أبرز التطورات التي حدثت طوال الفترة الماضية، مبينًا أن ما جرى يعني أن جهود محاصرة الحرب على شك أن تثمر اتفاقًا لوقف الكارثة.
وقال النور إن الحركة الشعبية بقيادة عبدالعزيز الحلو، وحركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد نور، إضافة إلى أحزاب تحالف “الكتلة الديمقراطية” وقوى تنسيقية “تقدم”، لم يحدث لها أن اجتمعت من قبل في طاولة واحدة، منذ بداية هذه الحرب.
وأضاف أن “عملية نيون” نصت بوضوح على وقف الحرب وتفكيك نظام الرئيس السابق عمر البشير، وقد وجدت موافقة من أغلبية القوى السودانية، ما يعني أن مجموعة حزب المؤتمر الوطني قد تم عزلها تمامًا، وإذا رفض الجيش رأي الأغلبية ومضى في تأييد المجموعة الصغيرة سيؤكد الاتهامات التي تلاحقه بأنه خاضع لسيطرة الحركة الإسلامية”، وفق قوله.
ورجح المحلل السياسي أن يكون لـ”عملية نيون” علاقة بالخلافات التي نشبت بين قائد الجيش السوداني وجماعة نظام الرئيس السابق عمر البشير، خلال اليومين الماضيين، لجهة أن مشاركة مجموعة الجيش في اللقاء لم تأت من فراغ وأن ما توافقت عليه في الوثيقة يعني موافقة البرهان على ذلك.
ونشبت خلال اليومين الماضيين على نحو مفاجئ خلافات بين قائد الجيش السوداني الفريق عبدالفتاح البرهان، ومفتى نظام الرئيس السابق عمر البشير، الشيخ عبدالحي يوسف، الذي هاجم قائد الجيش ووصفه بأنه “خائن ولا دين له”، وادعى أن البرهان “أعجز من أن يقضي على الحركة الإسلامية”، زاعمًا أن الأخيرة متغلغلة حتى في مكتب قائد الجيش نفسه.
وردَّ البرهان سريعًا على عبدالحي يوسف، ووصف بـ”الضلالي والتكفيري”، وقال خلال زيارة إلى أحد المواقع العسكرية في مدينة أم درمان: “أمس رأينا تكفيريًّا يقول إنه لا يوجد جيش سوداني. نقول له: ابقَ هناك لأنك لا تستطيع أن تأتي لتقعد مع الرجال”.
وأضاف: “واحد ضلالي، وكل إناء بما فيه ينضح، ومن يعتقد أن لديه رجالًا يقاتلون لأجله مع الجيش، عليه أن يأتي ليأخذهم”.