أحداث

هل تغير معركة الفاشر مسار الحرب في السودان؟

 


تتزايد الخسائر البشرية والمادية مع استمرار النزاع في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور غربي السودان، ما يفتح الباب أمام سيناريوهات عدة.

والفاشر هي آخر مدينة كبرى بإقليم دارفور الشاسع بغرب السودان لا تخضع لسيطرة قوات “الدعم السريع“، بعد أكثر من عام من القتال بينها وبين الجيش السوداني.

واجتاحت قوات “الدعم السريع” 4 عواصم ولايات أخرى في دارفور العام الماضي، وسط تعقيد الأوضاع الأمنية والإنسانية، وشح الغذاء والدواء والماء.

والسؤال الملح الذي يطرح نفسه بقوة؛ هل سيؤثر سقوط الفاشر في قبضة “الدعم السريع” وانتزاعها من الجيش السوداني، على مجريات النزاع في دارفور؛ ويخلق واقعا سياسيا جديدا في الإقليم؟

استراتيجية الدعم السريع

وقال الكاتب والمحلل السياسي السوداني، محمد الأسباط، إن “قوات الدعم السريع غيرت استراتيجيتها في التعامل مع المدن التاريخية ذات الرمزية، فمنذ اندلاع الحرب تدخل قادة الإدارة الأهلية والطرق الصوفية في مدينة الفاشر لدى الجيش السوداني و”الدعم السريع“، وألزموهما بعدم إطلاق النار وإيقاف الأعمال الحربية داخل المدينة”.

وأوضح الأسباط ، أن “الاتفاقية نجحت، إلا من خروقات نادرة في سنة الحرب الأولى، لكن الملاحظ منذ شهر تقريبا أن قوات الدعم السريع بدأت تطبق الخناق على الفاشر من 3 محاور وأكملتها قبل أسبوعين، والأسبوع الماضي تمكنت من السيطرة على مدينة مليط، ولم يتبق لها سوى دخول المدينة”.

وأضاف: “بنفس القدر مدينة الأبيض (عاصمة ولاية شمال كردفان) ظلت قوات الدعم السريع تفرض حصارا كاملا عليها”.

واعتبر أنه من الواضح جدا أن تغيير استراتيجية “الدعم السريع” يأتي من عدم قناعة بإمكانية انطلاق مفاوضات قريبة، وبالتالي تريد أن تحسم مسألة إقليم دارفور ليكون تحت سيطرتها، ثم الانتقال إلى مدينة الأبيض حتى لا تترك قواتها التي تسيطر على ولاية الجزيرة (وسط) معزولة”.

وأوضح أن هذه هي المؤشرات الأولية، لأن قوات الدعم السريع تريد أن تحقق انتصارات في مناطق مختلفة وتوسع من رقعة سيطرتها، وبالتالي إما تجبر الجيش السوداني على الجلوس على طاولة التفاوض، وإما تدفع هذه المعارك والخسائر المتوقعة الوسطاء للضغط على طرفي الحرب للعودة إلى الحوار.

الأسباط قال أيضا: “في حال فشل كل هذا تكون قوات الدعم السريع قد ذهبت إلى الخطة (ب) وإعلان دولتها في المناطق التي تسيطر عليها.. كل المؤشرات تشير إلى أن الأيام المقبلة ستشهد معارك عنيفة، وتمدد الحرب جغرافيا، ومع كل أسف سيزداد عدد الضحايا، لا سيما أن أكثر من 27 مليون سوداني مهددون بالموت جوعا، والأعداد ستتزايد، والخسائر ستكون كبيرة وسيدفع الثمن الشعب السوداني”.

التلويح بـ”الانفصال”

من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي، يوسف حمد: “بالطبع سيكون لسقوط الفاشر من يد الجيش السوداني تأثيره في مجريات النزاع، بل سيمتد التأثير ويخلق بالضرورة واقعا سياسيا جديدا”.

وأوضح حمد في حديثه إلى، أن “أول مظاهر هذا الواقع هو تلويح جماعة الإخوان المختبئة خلف الجيش بانفصال الإقليم الغربي، وهذا التلويح سيكون الغرض منه دخول الجيش إلى التفاوض من منطلق أن الدعم السريع له مناطق سيطرته، وللجيش كذلك مناطق سيطرته”.

وينفى الجيش السوداني أي تعاون مع تنظيم الإخوان.

وأضاف حمد أنه يترافق هذا التحليل مع إلحاح الجيش وحثه الناس على العودة إلى مناطق الخرطوم، خاصة أم درمان، بأي شكل، لأن عودة الناس إلى العاصمة تكمل صورة أنه يسيطر على منطقة جغرافية مهمة تعطيه شرعية التفاوض.

واعتبر أنه “في هذا السياق، ربما لن تكون الفاشر ذات أهمية بالنسبة للجيش ولجماعة الإخوان”.

خطاب “التعبئة الإثنية”

من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي، الهضيبي يس، إن “سقوط الفاشر بولاية شمال دارفور غرب السودان على يد قوات الدعم السريع سيكون دافعا معنويا كبيرا في أوساط هذه القوات، ولكن بالقدر ذاته ستكون له انعكاسات وتأثيرات كبيرة في صورتها الإنسانية بازدياد حجم النزوح واللجوء لدول الجوار، خاصة نحو منطقة غرب أفريقيا”.

وأوضح يس، أن سقوط الفاشر قد يغلق الباب أمام أي تسويات سياسية مرتقبة بين طرفي النزاع المسلح بالبلاد، خاصة أن المكونات الاجتماعية بالولاية هناك قد تتعرض لخطاب التعبئة الذي يحمل الأبعاد الإثنية، ما قد يعجل بأن تقف المجموعات العشائرية الأفريقية في طرف، في حين ستكون العربية في الطرف الأطراف؛ حينها فإن الانتقال إلى مربع الحرب الأهلية سيكون محتملا.

أكبر أزمة إنسانية

ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني و”الدعم السريع” حربا خلّفت نحو 15 ألف قتيل وأكثر من 8 ملايين نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.

ودمرت الحرب سبل عيش ملايين السودانيين، بمن في ذلك العاملون في قطاع الزراعة والرعي التي يعمل فيها 80% من القوى العاملة في البلاد، نتيجة لتوسع نطاقها مصحوبا بالهجمات العشوائية على المدنيين.

وفاقمت الحرب من حدة الأزمة الإنسانية في إقليم دارفور، خاصة في مخيمات النازحين، إثر تسبب الاشتباكات الناجمة عنها في تعطيل وصول المساعدات الإنسانية الدولية إلى الإقليم.

وخلفت الحرب الدائرة في السودان منذ منتصف أبريل/نيسان 2023 أكبر أزمة إنسانية على المستوى الدولي، إذ اضطر الناس إلى تناول أعلاف الحيوانات وأوراق الأشجار في دارفور، لعدم توفر الغذاء في مخيمات النزوح البالغة عددها 51 في ولايات دارفور الخمس.

وأُنشئت مخيمات اللجوء في دارفور عندما نزح السكان من القرى إلى المدن الكبيرة بحثا عن الأمان بعد اندلاع الحرب في الإقليم 2003 بين القوات الحكومية وفصائل مسلحة متمردة.

ويشهد إقليم دارفور منذ 2003 نزاعا مسلحا بين القوات الحكومية وحركات مسلحة متمردة، أودى بحياة نحو 300 ألف شخص، وشرد نحو 2.5 مليون آخرين، وفق الأمم المتحدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى