تسريبات

هزيمة الفاشر… سقوط الأقنعة عن الجيش السوداني


لم تعد معركة الفاشر مجرد جولة من جولات الحرب العبثية التي تلتهم السودان منذ شهور؛ بل أصبحت مرآة كاشفة لحقيقة الانهيار العميق الذي ينهش جسد المؤسسة العسكرية. الفاشر، تلك المدينة التي صمدت لعقود في وجه النزاعات الدموية، سقطت بأيدٍ متمردة ليس لأنها أقوى، بل لأن الجيش السوداني بات أضعف من أي وقت مضى، غارقًا في انقسامات الداخل وصراعات القيادة وفقدان البوصلة الاستراتيجية.

جيش بلا روح… وقيادة عمياء

التقارير الواردة من أرض المعركة تكشف عن انهيار ميداني غير مسبوق: وحدات كاملة انسحبت دون مقاومة، ضباط تركوا جنودهم يواجهون مصيرهم، وقيادة لم تستطع حتى صياغة بيان رسمي لتفسير ما حدث.
هذه ليست مجرد هزيمة، بل شهادة وفاة معنوية لجيش كان يُعتبر يوماً “حامي الدولة”. الحقيقة المرة أن الجنود يقاتلون بلا رؤية، بلا دعم، وبلا ثقة في قادتهم الذين يبدون أكثر انشغالًا بالحفاظ على مناصبهم من الحفاظ على الوطن.

الخيانة من الداخل… أم انكشاف المنظومة؟

المعلومات المتسربة توحي بوجود خيانة أو اختراق استخباراتي سهّل سقوط مواقع حيوية خلال ساعات. كيف يمكن لمدينة بحجم الفاشر أن تُترك دون خطوط دفاعية قوية؟ كيف يتم السماح للقوات المناوئة بالتحرك بهذه السلاسة؟
إن كانت الخيانة حقيقية، فذلك يعني أن الجيش لم يعد يسيطر على مفاصله، وإن لم تكن، فالكارثة أعظم: نحن أمام جهاز عسكري فقد قدرته على التخطيط والتنفيذ.

تداعيات تتجاوز دارفور

هزيمة الفاشر هي هدية استراتيجية لقوى تريد إعادة رسم خريطة السودان. الانهيار في شمال دارفور قد يفتح شهية المعارك نحو كردفان والخرطوم، بينما يقف المجتمع الدولي عاجزًا، مكتفيًا بإحصاء أعداد النازحين الذين سيغادرون ديارهم بحثًا عن حياة آمنة.

دبلوماسيون غربيون يهمسون اليوم بأن قيادة الجيش فقدت شرعيتها، وأن استمرار الوضع على هذا النحو قد يدفع بعض الأطراف الخارجية للتعامل مع قوى موازية باعتبارها “أمرًا واقعًا”.

الفاشر: لحظة الحقيقة

ما جرى في الفاشر ليس مجرد فشل عسكري؛ إنه لحظة كشف حساب. جيش بلا قيادة موحدة، بلا مشروع وطني، وبلا إرادة سياسية لا يمكنه أن يحسم حربًا أو يحمي دولة.

قد تكون الفاشر بداية النهاية لمرحلة تاريخية، لكن السؤال المخيف هو: من سيملأ الفراغ؟
إذا لم يتحرك قادة السودان بسرعة لإعادة هيكلة الجيش، ووقف النزيف الداخلي، فإن القادم سيكون أكثر ظلامًا… وربما لن يتبقى شيء يُدافع عنه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى