تحقيقات

هدوء الجبهات السودانية: مؤشرات اتفاق قادم أم فخ استراتيجي؟


تشهد جبهات القتال في السودان حالة من الهدوء النسبي منذ مطلع الأسبوع الماضي، باستثناء عمليات قصف محدودة في مدينة الفاشر وهجمات جوية متفرقة نفذها الجيش بطائرات مسيّرة على مدينة نيالا وبعض مواقع تمركز قوات الدعم السريع. هذا التراجع في وتيرة العمليات العسكرية أثار تساؤلات واسعة حول ما إذا كان يمثل هدنة غير معلنة بين الطرفين، أم مجرد استراحة مؤقتة لإعادة التموضع استعدادًا لجولات قتال جديدة.

في الفاشر، التي تُعد إحدى أبرز نقاط الاشتباك في إقليم دارفور، هدأت المعارك بعد سلسلة هجمات عنيفة شنتها قوات الدعم السريع على مقر الفرقة 16 التابعة للجيش. كما شهدت مدينة بابنوسة في غرب كردفان هجمات مماثلة على الفرقة 22، قبل أن تعلن القوات المسلحة صد الهجمات واستعادة السيطرة. ومنذ نهاية مايو، لم تُسجل عمليات كبيرة في مناطق مثل الخوي والنهود والدبيبات، رغم الحملات الإعلامية التي رافقت تحركات الجيش في تلك المناطق.

ويرى مراقبون أن هذا الهدوء يعكس تعقيدات داخلية في صفوف الطرفين. ففي معسكر الجيش، تُطالب القوات المشتركة المساندة له بمناصب وزارية مقابل استمرار الدعم العسكري، بينما تواجه قوات الدعم السريع توترات أمنية في معقلها الرئيسي بمدينة نيالا، وسط مؤشرات على تململ داخلي بين بعض المكونات.

مصادر محلية أشارت إلى أن توقف العمليات يعود جزئيًا إلى الصراع السياسي في بورتسودان حول تقاسم السلطة، إضافة إلى الضغوط الميدانية الناتجة عن الخسائر البشرية الكبيرة. كما يُرجّح أن قوات الدعم السريع تسعى لإعادة ترتيب صفوفها ومعالجة جرحاها، وهو ما عبّر عنه قائدها محمد حمدان دقلو (حميدتي) في خطابه الأخير مطلع يونيو.

من جهته، نفى مصدر عسكري وجود أي اتفاق هدنة مع قوات الدعم السريع، مؤكداً أن التراجع في العمليات يعود إلى عوامل ميدانية وإنسانية، في ظل الحاجة لإعادة تنظيم القوات بعد معارك مكلفة.

دوليًا، أجرى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، اتصالات مع طرفي النزاع بهدف التوصل إلى هدنة إنسانية في مدينة الفاشر، حيث وافق قائد الجيش عبد الفتاح البرهان على المقترح، بينما رفضته قوات الدعم السريع، معتبرة أن المدينة باتت منطقة حرب خالية من المدنيين.

وتزامن هذا التراجع مع تصاعد الضغوط الإقليمية والدولية لوقف إطلاق النار وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، وسط مؤشرات على إنهاك متبادل قد يدفع الطرفين نحو طاولة التفاوض. وفي هذا السياق، وصف وزير الإعلام السابق، حمزة بلول، الحرب بأنها “سياسية في المقام الأول”، مشيرًا إلى أن التحركات الدولية، وعلى رأسها جهود الولايات المتحدة، قد تفتح نافذة لتسوية محتملة، شريطة توفر الإرادة الداخلية والضغط الدولي الفاعل.

اعتبر وزير الإعلام السوداني السابق، حمزة بلول، أن حالة الهدوء النسبي التي تشهدها جبهات القتال في البلاد لا تعكس بالضرورة تراجعًا عسكريًا، بل تمثل تحولًا في طبيعة الصراع، الذي وصفه بأنه “حرب سياسية في المقام الأول”، تتجه تدريجيًا نحو نمط الحرب بالوكالة، في ظل تصاعد التدخلات الإقليمية والدولية.

وفي تصريحات لصحيفة “الشرق الأوسط”، أشار بلول إلى أن انخفاض وتيرة المواجهات المباشرة وغير المباشرة يعود إلى رغبة الأطراف المتحاربة في إعادة التموضع قبل دخول فصل الخريف، الذي عادةً ما يعيق حركة القوات بفعل الأمطار ويؤثر على سلاسل الإمداد اللوجستي. وأضاف أن هذا التراجع الميداني لا يعني بالضرورة اقتراب نهاية الحرب، بل يعكس انتقالًا إلى مرحلة أكثر تعقيدًا من الصراع السياسي.

وأكد الوزير السابق أن الميدان السياسي بات أكثر تأثيرًا من العمليات العسكرية، خاصة في ظل الضغوط المتزايدة من المجتمع الدولي الرامية إلى تسهيل دخول المساعدات الإنسانية ووقف القتال. وأوضح أن هذه الضغوط تُمارس عبر قنوات دبلوماسية متعددة، أبرزها الاتصالات التي يجريها كبير مستشاري الشؤون الأفريقية في الإدارة الأمريكية، مسعد بولس، مع الأطراف السودانية والدول ذات النفوذ في الملف السوداني.

وفي هذا السياق، رأى بلول أن حالة الهدوء الحالية قد تمثل “فرصة ثمينة” يجب اقتناصها للدفع نحو تسوية سياسية تنهي الحرب، لكنه شدد على أن ذلك يتطلب إرادة داخلية حقيقية وضغوطًا دولية فعالة تضمن التزام الأطراف المتصارعة بمسار الحل السلمي.

وتأتي تصريحات بلول في وقت تتزايد فيه الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار، وسط تفاقم الأزمة الإنسانية في السودان، حيث تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 13 مليون شخص نزحوا من مناطقهم منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، ما يجعلها واحدة من أسوأ أزمات النزوح في العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى