تحقيقات

ميليشيا غامضة بقيادة قوش تشعل الجدل في السودان


في تطور لافت يعكس تعقيدات المشهد الأمني السوداني، أفادت مصادر سياسية بأن المدير السابق لجهاز الأمن والمخابرات الوطني في السودان، صلاح قوش، شرع في تشكيل ميليشيا مسلحة جديدة ذات توجهات إسلامية، وذلك في ظل استمرار النزاع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة The Sudan Times، فإن قوش يستخدم السياسي محمد سيد أحمد الجاكومي كواجهة سياسية للمشروع، مقدماً القوة على أنها تمثل شمال السودان، رغم أنها تتبع أيديولوجياً لتوجهات إسلامية خالصة. هذه الخطوة تأتي في وقت يشهد فيه السودان تصاعداً في النشاطات العسكرية غير النظامية، وسط محاولات متعددة لإعادة تشكيل موازين القوى داخل البلاد.

صلاح قوش، الذي سبق أن فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات في ديسمبر 2023 بتهمة تقويض جهود السلام، واجه أيضاً إجراءات مماثلة من الاتحاد الأوروبي في سبتمبر 2024، تم تجديدها خلال الشهر الجاري. هذه العقوبات تعكس موقفاً دولياً متشدداً تجاه تحركات قوش، الذي لا يزال يُنظر إليه كأحد أبرز الشخصيات الأمنية التي لعبت دوراً محورياً في تشكيل النظام السابق. ورغم خروجه الرسمي من المشهد بعد اتفاق جوبا للسلام في 2020، تشير التقارير إلى أنه لا يزال يحتفظ بنفوذ واسع عبر شبكة من العلاقات السياسية والمالية داخل السودان وخارجه.

في 25 يوليو، أعلن الجاكومي عزمه تدريب نحو 50 ألف مقاتل، مشيراً إلى حصوله على موافقة من الرئيس الإريتري أسياس أفورقي لإنشاء معسكرات تدريب داخل الأراضي الإريترية. وقد زار الجاكومي العاصمة أسمرة في 18 أغسطس، ونشر صوراً تجمعه بأفورقي، مؤكداً أن الترتيبات اللوجستية باتت جاهزة لاستقبال دفعات متتالية من المجندين. هذه التحركات أثارت قلقاً واسعاً في الأوساط السياسية والحقوقية، خاصة أن إنشاء معسكرات تدريب خارج الحدود السودانية يعكس بعداً إقليمياً للصراع، ويطرح تساؤلات حول مدى تورط أطراف خارجية في إعادة تدوير القوى المسلحة داخل السودان.

في المقابل، عبّر نشطاء محليون في شمال السودان عن رفضهم القاطع لتشكيل هذه الميليشيا، مستندين إلى علاقات الجاكومي السابقة مع صلاح قوش خلال فترة عمله في جهاز الأمن والمخابرات. وأشار أحد المنشقين عن حركة تحرير السودان إلى أن قوش استخدم الجاكومي سابقاً كأداة للتأثير على القوى السياسية، بهدف الحفاظ على نفوذه رغم خروجه الرسمي من السلطة. هذا الرفض الشعبي يعكس حالة من التوجس تجاه عودة رموز النظام السابق عبر قنوات غير رسمية، خاصة في ظل هشاشة الوضع الأمني وتعدد مراكز القوة داخل البلاد.

الجاكومي نفى في البداية أن يكون يعمل لصالح صلاح قوش، واصفاً الاتهامات الموجهة إليه بأنها “سخيفة”، لكنه عاد لاحقاً ليؤكد وجود خطط تدريب في إريتريا، قبل أن يعلن أن القوات التي تم تشكيلها باتت تعمل تحت قيادة الجيش السوداني. هذا التناقض في التصريحات أثار جدلاً واسعاً حول طبيعة العلاقة بين الجاكومي وقوش، ومدى استقلالية هذه القوة المسلحة عن الأجهزة الرسمية. وفي الوقت ذاته، أكد مصدر عسكري في بورتسودان انتهاء مهمة الجاكومي، بينما أشار ضابط متقاعد إلى أن قوش لا يزال نشطاً عبر شبكة من المقربين، يدير من خلالها استثمارات تشمل الوقود والذهب والمصانع في السودان ومصر.

تقارير أمنية كشفت أن صلاح قوش وثمانية ضباط سابقين يشرفون بشكل مباشر على عمليات التدريب في إريتريا، باستخدام مركز التدريب المعروف باسم “ساوا” في منطقة غاش بركة. ورغم وجود تحديات لوجستية تعيق سير العملية، إلا أن المصادر تؤكد أن العمل في المعسكرات يسير بوتيرة متقدمة. ما يعكس استمرار تأثير قوش في الشؤون الأمنية والعسكرية السودانية. هذه التطورات تأتي في وقت تتكثف فيه الجهود الإقليمية والدولية لإيجاد مخرج للأزمة السودانية، وسط مخاوف من أن تؤدي مثل هذه التحركات إلى تعقيد المشهد أكثر، وإطالة أمد النزاع الداخلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى