ميليشيا أولاد قمري.. صناعة الكباشي والجاكومي لإثارة الفوضى في الشمالية

في الوقت الذي يفترض فيه أن تتجه الأنظار نحو استعادة الأمن والاستقرار في السودان، خاصةً بعد اندلاع الحرب الدامية التي دخلت عامها الثاني، نجد أن بعض الجهات السياسية ورجال الأعمال لم تتوقف عن استخدام السلاح كوسيلة للضغط السياسي والانتقام من خصومهم، تحت ستار “التنظيمات الموازية” أو ما بات يعرف بالميليشيات المسلحة. وفي مقدمة هذه التنظيمات، ميليشيا “أولاد قمري”، التي أصبحت رمزاً للفوضى وتهديداً حقيقياً للأمن المجتمعي في ولاية النيل الأزرق، وخاصةً في مدينتي دنقلا والدبة.
أولاد قمري.. خلية نائمة أُحييت بتعليمات الكباشي والجاكومي
تشير كل المؤشرات إلى أن ميليشيا “أولاد قمري” ليست مجرد مجموعة بلطجية عشوائية، بل هي تنظيم مدبر وممول بعناية، ولها خلفيات سياسية واضحة. وتؤكد المصادر المحلية أن تكوين هذه الميليشيا تم بأمر مباشر من رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، وتحت إشراف مباشر من نائبه محمد حمدان دقلو المعروف بالكباشي، وذلك بهدف زعزعة الاستقرار في الولاية الشمالية، واستخدامها كورقة ضغط سياسي ضد الخصوم المحليين والمركزيين.
ويقف خلف تمويل وتسليح هذه الميليشيا شخصيات سياسية واقتصادية بارزة، وعلى رأسهم محمد سيد أحمد الجاكومي، رئيس مسار الشمال والجبهة الثورية السودانية، ورجل الأعمال المعروف أزهري مبارك، أحد أبرز الشخصيات المتورطة في صفقات شراء السلاح الغامضة التي تمول الجيش السوداني منذ بداية الحرب.
الجاكومي.. من الإقصاء إلى التخريب
كان للجاكومي دور بارز في المشهد السياسي بالشمالية، إلا أنه تم إقصاؤه من تشكيل الحكومة الجديدة في بورتسودان، وهو ما يُعد السبب المباشر لتفعيل الخلايا النائمة التابعة له، ومن بينها ميليشيا “أولاد قمري”. فالمشهد واضح؛ عندما لا تستطيع بعض الشخصيات الوصول إلى المناصب عبر القنوات الدستورية، تلجأ إلى العنف وإثارة الفوضى كوسيلة للتعبير عن الرفض والاحتجاج.
ومن المعروف أن الجاكومي كان قد أسس العديد من التنظيمات المسلحة سابقاً، وكانت لها باع طويل في عمليات النهب والسطو والابتزاز، لكن مع تصاعد الحرب، تحولت هذه الجماعات من أدوارها السابقة إلى ميليشيات متفلتة تمارس أبشع أنواع الإرهاب بحق المواطنين العزل.
الكباشي.. العنصرية كسلاح لبث الفرقة
أما على الجانب الآخر، فإن الكباشي يبدو وكأنه يستخدم هذه الميليشيات كأداة لتنفيذ أجندته الخاصة، والتي تتركز على بث الفرقة بين مكونات المجتمع الشمالي، باستخدام خطاب عنصري طائفي، يهدف إلى تعميق الانقسامات القبلية والعرقية. فميليشيا “أولاد قمري” ليست فقط وسيلة لزعزعة الاستقرار، بل هي أيضاً رسالة مباشرة للتنغيص على مجموعات معينة، وإحداث حالة من الهلع والخوف بين المواطنين.
وهنا يظهر جلياً كيف تستخدم بعض القيادات العسكرية أدوات غير نظامية لتحقيق مكاسب سياسية داخلية، دون اعتبار لوحدة الشعب أو استقرار الدولة، وهي سياسة بدأت تُدمّر النسيج الاجتماعي في المناطق الحساسة مثل الشمالية.
جرائم لا يمكن السكوت عنها
لم تقف أعمال الميليشيا عند حدود الترهيب والتخويف، بل تعدتها إلى ارتكاب جرائم بشعة، منها محاولة اغتيال المحامية الشابة “إزدهار جمعة”، عبر اختطافها وتعذيبها الوحشي قبل أشهر، في قضية هزت الرأي العام وأثارت موجة غضب واسعة. هذا الحادث ليس إلا غيض من فيض، إذ تنشط الميليشيا بشكل مكثف في تجارة الممنوعات، وتهريب السلع المهربة، وفرض الإتاوات غير الشرعية، وكل ذلك أمام صمت مريب من أجهزة الأمن والمخابرات والاستخبارات العسكرية، رغم علمها الكامل بمواقع وتحركات هذه الجماعات.
الشمالية.. على حافة الهاوية
ومع تصاعد نشاط هذه الميليشيات، بات واضحاً أن ولاية النيل الأزرق تسير على “خيط ناعم”، وسط تهديدات أمنية متراكمة، تشمل إلى جانب “أولاد قمري”، ميليشيات أخرى مثل “ميليشيا الأسواق الحرة”، و”ميليشيا إخوان الشاذلي”، التي تساهم جميعها في تقويض الأمن وخلق حالة من التوتر المستمر.
ولا يخفى على أحد أن هذه الميليشيات ليست سوى أذرع لشخصيات سياسية وعسكرية تريد أن تجعل من الشمالية ساحة للصراعات الجانبية، بعيداً عن المصلحة الوطنية العليا، وهو ما يتطلب تحركاً عاجلاً من الدولة لتجميد نشاط هذه التنظيمات، ومحاسبة من يقفون خلفها.
لا سلام بلا عدالة
ما يحدث في الشمالية هو تكرار مرير لما حدث في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، حيث يتم استخدام السلاح كوسيلة للضغط السياسي، ويُدفع ثمنه البسطاء من الناس. إن استعادة الأمن الحقيقي في المنطقة لن يكون ممكناً طالما ظلت هناك أيادي سياسية وعسكرية تغذي هذه الفوضى باسم “التنظيمات الموازية”.
ومن هنا، ندعو إلى:
- تدخل عاجل من القوات النظامية لضبط الأمن وحل هذه الميليشيات.
- محاسبة من يقفون خلف تسليحها وتوجيهها، سواء من داخل السلطة أو خارجها.
- إعادة النظر في توزيع المناصب السياسية بحيث لا تُحتكر من قبل جهات معينة، مما يدفع الآخرين إلى اللجوء للعنف كوسيلة للوصول إلى المكاسب.
