أحداث

من نيويورك إلى جنيف.. الصحافة الدولية تفتح ملف جرائم الحرب في السودان


واصلت الصحف العالمية تسليط الضوء على الأزمة الإنسانية المتفاقمة في السودان، وسط دعوات متزايدة لتفعيل آليات المحاسبة الدولية. وفي مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز، كتب نيكولاس كريستوف أن المجتمع الدولي فشل مجددًا في منع الفظائع، مشيرًا إلى أن ما يحدث في مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور، لم يحظ بالاهتمام نفسه الذي نالته الإبادة الجماعية في الإقليم قبل عقدين. وأكد أن غياب المحاسبة هو ما يكرّس استمرار الجرائم ضد الإنسانية، داعيًا إلى تفعيل دور المحكمة الجنائية الدولية ووقف تدفق الأسلحة إلى الفصائل المسلحة وداعميها، بدلًا من اللجوء إلى التدخل العسكري المباشر.

انتقادات بريطانية

وفي تغطية لصحيفة تلغراف البريطانية، تصاعدت الانتقادات الموجهة للحكومة البريطانية بعد الكشف عن وجود أسلحة بريطانية في يد قوات الدعم السريع بدارفور. ونقلت الصحيفة عن مونيكا هاردينغ، النائبة عن حزب الديمقراطيين الليبراليين، قولها إن الحرب في السودان تمثل “أكبر أزمة إنسانية في العالم”، وإن احتمال استخدام معدات بريطانية في ارتكاب الفظائع “أمر مروع”. كما أشار أحد خبراء الأمم المتحدة السابقين إلى أن ضوابط تصدير الأسلحة تفقد جدواها عندما تصل المعدات إلى مناطق النزاع، ما يثير تساؤلات حول مسؤولية الدول المصدّرة في تغذية الصراعات.

خطة أمريكية

وفي تحليل موسّع نشرته مجلة نيوزويك، تناول كبير محرري الشؤون الخارجية توم أوكونور تعقيدات المشهد السوداني، مشيرًا إلى أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تسعى لاستثمار نفوذها في العواصم العربية الكبرى لدفع تسوية تنهي الصراع الدموي. ووفقًا للمقال، تتبع واشنطن نهجًا ذا مسارين: دبلوماسي عبر الرباعية الدولية، وسياسي عبر الضغط المباشر على الأطراف المتحاربة. وتشمل خطة النقاط الخمس التي طرحتها الرباعية في سبتمبر الماضي هدنة إنسانية، وقفًا دائمًا لإطلاق النار، انتقالًا مدنيًا للسلطة، ووقف الدعم الخارجي للفصائل المسلحة. وأكد مسؤولون أميركيون أن هذه المبادرة تم تعزيزها لاحقًا وسط تدهور الأوضاع الميدانية.

تحديات دبلوماسية

يرى خبراء أن دبلوماسية ترامب القائمة على الصفقات قد تكون أكثر فعالية من نهج إدارة بايدن السابقة، التي فشلت في إشراك شخصيات رفيعة في حوارات مباشرة مع العواصم العربية. وأشار أليكس دي وال، المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي بجامعة تافتس، إلى أن سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر تمثل خطرًا يتجاوز المكاسب السياسية، داعيًا إلى تحرك عاجل نحو السلام. وأضاف أن تاريخ السودان يُظهر أن الأطراف غالبًا ما تسعى للانتقام قبل التفاوض، ما يعقّد فرص التسوية. وفي السياق ذاته، اعتبر الباحث ياسر زيدان أن دبلوماسية ترامب التبادلية قد تحقق اختراقًا إذا وازنت بين الضغط والمكافأة، مؤكدًا أن هذا النهج يتفوق على إطار الرباعية الذي أخفق مرارًا في تقديم نتائج ملموسة.

جذور النزاع

يرجع أوكونور جذور الأزمة إلى الصراع بين الفريق عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو “حميدتي”، بعد الإطاحة بالرئيس عمر البشير في أبريل 2019. وشهدت تلك المرحلة تشكيل حكومة انتقالية مدنية-عسكرية بقيادة البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وتحسنًا في العلاقات مع واشنطن، خاصة بعد انضمام السودان إلى اتفاقات أبراهام مقابل رفع العقوبات. لكن حلّ المجلس السيادي في أكتوبر 2021 وإعلان الحكم العسكري أشعل التوتر مع حميدتي، قائد قوات الدعم السريع، التي تطورت من مليشيات الجنجويد التي قاتلت في دارفور بين 2003 و2020.

غياب إعلامي

وفي تقرير نشرته صحيفة لوتان السويسرية، تساءل الكاتب فريديريك كولير عن سبب غياب السودان عن التغطية الإعلامية العالمية، رغم فظاعة الحرب الأهلية فيه. وأشار إلى أن النزاعات التي لا تؤثر مباشرة في المجتمعات الغربية تتحول تدريجيًا إلى “نزاعات غير مرئية”، بسبب أزمة الموارد في الإعلام وتراجع الاهتمام السياسي الدولي. واعتبر أن التركيز الأوروبي ينحصر في ثلاث قضايا: مستقبل الديمقراطية الأميركية، التهديد الروسي، والوضع في غزة، لأنها ترتبط مباشرة بحياة الأوروبيين.

أزمة منسية

أوضح كولير أن هذا التمركز حول الذات لا يقتصر على الأوروبيين، بل يشمل الآسيويين والأميركيين أيضًا، رغم أن الحرب السودانية تُعد من أكثر الحروب دموية. ونقل عن باتريك يوسف، مدير اللجنة الدولية للصليب الأحمر في أفريقيا، قوله إن “هذه ليست حربًا منسية، بل حرب متجاهلة”، محذرًا من أن استمرارها قد يزعزع استقرار منطقة القرن الأفريقي بأكملها. وأشار إلى أن عدد الضحايا الحقيقي قد يكون أعلى بكثير مما ورد في تقارير الأمم المتحدة، التي وصفت النزاع بأنه “أكبر أزمة إنسانية في العالم”، حيث يهدد الجوع والأوبئة ملايين الأشخاص، وسط تصاعد الإعدامات الميدانية والعنف الجنسي كسلاح حرب.

أزمة تمويل

اختتم التقرير بالتنبيه إلى أن أزمة التمويل العالمية لا تهدد الإعلام فقط، بل تمتد إلى وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، التي تستعد لتسريحات واسعة في عام 2026. هذا الانكماش المالي ينذر بمزيد من الصمت الدولي تجاه المآسي التي لا تمس مصالح القوى الكبرى مباشرة، ويطرح تحديًا أخلاقيًا أمام المجتمع الدولي بشأن مسؤولياته تجاه الشعوب المنكوبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى