أحداث

من دارفور إلى الخرطوم.. سجل الانتهاكات تحت مجهر القضاء الدولي


يرى خبراء أن قرار محكمة العدل الدولية الأخير، رغم كونه لا يتصل مباشرة بمحاسبة الأفراد، فإنه يحمل دلالات سياسية وقانونية عميقة قد تعيد تشكيل مشهد الشرعية في السودان، فالقرار، الذي رفض دعوى الجيش السوداني ضد دولة الإمارات، لا يكتفي برفض قانوني فحسب، بل يوجه ضربة رمزية لحكومة بورتسودان وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، عبر التشكيك الضمني في تمثيلهما للدولة السودانية. 

ويؤكد الخبراء أن هذا التطور يعزز مناخًا دوليًّا قد يفتح الباب لمساءلة أوسع للجيش عن انتهاكات جسيمة ارتُكبت بحق المدنيين، ويعيد تسليط الضوء على سجل جرائم الحرب في دارفور ومناطق النزاع الأخرى، بما ينذر بإمكانية اتخاذ قرارات مماثلة من جهات قضائية دولية تضع المؤسسة العسكرية أمام مسؤولياتها القانونية والتاريخية.

 وقال الأمين العام لحركة العدل والمساواة السودانية، عضو اللجنة التحضيرية لتحالف السودان التأسيسي، أحمد تقد، إن محكمة العدل الدولية تختلف عن المحكمة الجنائية الدولية، فالجهة التي تحاسب على الجرائم والانتهاكات أثناء النزاعات هي المحكمة الجنائية الدولية وليس محكمة العدل. 

وأضاف أن السودان لم يكن عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية، لكن تم إحالة جزء من السودان – وهو الجزء الخاص ببحث الوضع في دارفور – إلى هذه المحكمة، وبالتالي فإن الجرائم التي تختص بها المحكمة فيما يتعلق بالسودان تقتصر فقط على ما يتعلق بدارفور، أما بقية المناطق فلا يمكن للمحكمة أن تنظر فيها إلا إذا تم إحالة وضع السودان ككل إلى المحكمة الجنائية الدولية، وهو إجراء طويل يتطلب موافقة مجلس الأمن الدولي، أو أن يُمدد الجزء الخاص بدارفور ليشمل كامل السودان.

وبشأن القرار الصادر من محكمة العدل الدولية، أوضح تقد أن هذه المحكمة تختص بقضايا بين الدول، ولا تفرض عقوبات عليها ولا تملك حق محاسبة الأفراد. وطرح إشكالية تتعلق بمدى شرعية الدعوى المقدمة من الجيش السوداني، متسائلاً: هل هذه الدعوى تمثل الحكومة السودانية؟ معتبرًا أن هذا موضوع جدلي، سيظل موضع نقاش داخل المجتمع الدولي عمومًا، والاتحاد الأفريقي، والاتحاد الأوروبي، باستثناء دول محدودة ترتبط بمصالح استراتيجية مع السودان. 

 وأكد أن العالم لا يرى حاليًّا وجود حكومة شرعية في السودان، عدا بعض الدول التي تتعامل مع “حكومة الأمر الواقع”، مشددًا على أن الجيش السوداني لا يُعبّر عن الرأي العام، ولا عبد الفتاح البرهان، ولا المؤسسة العسكرية، إذ لا توجد جهة معترف بها دوليًّا كممثل شرعي للدولة السودانية.

وفي تعليقه على القرار، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي الطيب الزين أن قرار محكمة العدل الدولية يُعد خيبة أمل كبيرة للبرهان، مبينًا أن هذا القرار، الذي قضى ببطلان الادعاءات الموجهة، يُسقط محاولاتهم لتسييس القضية وتحويل الأنظار عن المسؤولية الحقيقية عن الأزمة التي يعيشها السودان، موجهًا رسالة واضحة بأن العدالة الدولية لا تسمح باتخاذ “العدو الخارجي” ذريعة لتبرير الجرائم التي ارتكبت في الداخل ضد الشعب السوداني.

وأضاف الزين أن القرار قطع الطريق أمام البرهان وداعميه، الذين حاولوا خلق عدو خارجي لتحويل الأنظار عن الجرائم التي ارتُكبت ضد الوطن والمواطنين، كما أن من شأن هذا القرار أن يقوّي موقف المجتمع الدولي، ويُضعف محاولات تبرير الأفعال بخلق عدو خارجي من نسج خيالهم، كما أن القرار حتمًا سيؤدي إلى ردود فعل داخلية قوية ضد المتسببين في الأزمة، وسيسهم في تسريع سقوط نظام “الحركة الظلامية” التي أشعلت الحرب في السودان.

وأوضح أن لهذا القرار أثرًا كبيرًا على مستوى المنظمات الدولية، خاصة بعد أن أصدرت محكمة العدل الدولية قرارًا ببطلان الاتهامات الموجهة لدولة الإمارات؛ ما يسهم في فضح البروباغندا التي سعى الجيش السوداني لترويجها أمام المجتمع الدولي.

وختم الزين مؤكدًا أن هذا القرار يعني أن البرهان أصبح مسؤولًا بشكل مباشر عن المأساة التي يواجهها الشعب السوداني، ويضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته لدعم جهود الحل والاستقرار، مشددًا على ضرورة احترام القانون الدولي وإرادة الشعب السوداني التي تطمح إلى السلام والاستقرار.

 من جانبه، قال شهاب إبراهيم الطيب، عضو الأمانة العامة في التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة “صمود”، إن قيادة الجيش السوداني وداعميها انصرفوا إلى معركة بلا معترك، وتركوا ما يجب عليهم فعله لوقف الحرب ووقف تدهور أوضاع السودانيين، محاولين تصوير هذه الحرب على أنها حرب بين دول، بينما هي في جوهرها حرب داخلية. واعتبر أن هذه المحاولة تهدف إلى رفع الحرج عن الجيش، وتغطية حقيقة أنه يخوض حربًا بالوكالة عن الحركة الإسلامية السودانية، وربما للتغطية على ممارسات الإسلاميين المتورطين في هذه الحرب، الذين يرتكبون انتهاكات واسعة وكبيرة.

وأكد أن القرار سيفتح الباب أمام مؤسسات التقاضي الدولية لملاحقة جرائم الحرب والانتهاكات التي تُرتكب بحق السودانيين على أساس العرق أو الانتماء الجغرافي، وهي المنهجية ذاتها التي اتبعها الجيش السوداني سابقًا في جنوب السودان قبل الاستقلال، وفي دارفور بعد عام 2003.

وأوضح أن المحاكم الدولية لا تُناسب الجيش السوداني أو الإسلاميين في السودان، لأن الوضع معكوس: فالقادة السابقون – مثل عمر البشير، ووزير دفاعه عبد الرحيم محمد حسين، وأحمد هارون – هم أصلاً مطلوبون للعدالة الدولية بتهم تتعلق بجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في دارفور، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق. 

وأضاف إلى ذلك الجرائم التي ارتكبت بعد عام 2019، من قمع اعتصام القيادة العامة، وقتل المتظاهرين بعد انقلاب الـ25 من أكتوبر 2021، وغيرها من الانتهاكات؛ ما سيفتح الطريق أمام محاسبة الجيش ومَن ارتكبوا هذه الجرائم أمام العدالة الدولية، وهو ما يمثل نتيجة عكسية تمامًا لِما كانوا يسعون إليه من خلال اللجوء إلى المحاكم الدولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى