من الجيش إلى الميليشيات: البرهان يعمّق الفوضى في السودان

رأى خبيران أن قرار عبد الفتاح البرهان إجراء تعديلات على قيادة القوات المسلحة السودانية ليس إصلاحًا، بل محاولة لتعزيز هيمنته وإطالة أمد الأزمة.
واعتبرا أن “القرار يعكس نهج الاستبداد وانهيار الدولة، خاصة بعد انقلابه على الوثيقة الدستورية وخوضه حربًا ضد الشعب، كما يرون أنه مجرد مناورة سياسية لحماية الميليشيات من العقوبات الدولية، خصوصًا بعد إعفائه قيادات إسلامية من الجيش”.
ويأتي ذلك في ظل تصاعد التوترات الميدانية وتراجع نفوذ الجيش في مناطق حيوية مثل دارفور وكردفان.
تكريس الاستبداد
وقال الكاتب والمحلل السياسي الطيب الزين إن “قرارات عبد الفتاح البرهان الأخيرة لا تعبر عن أي توجه إصلاحي، بل تؤكد تكريس الاستبداد وتمثل مؤشرًا واضحًا على إطالة أمد الأزمة الوطنية، وإن البرهان لا يحمل مشروعًا لبناء الدولة، بل يجسد انهيارها بكل تفاصيله”.
أخبار ذات علاقة
العودة عبر بوابة الحرب.. “الإخوان” يكشفون خفايا الصفقة غير المعلنة مع البرهان
وأضاف الزين “منذ انقلابه على الوثيقة الدستورية وقيادته حربًا مدمّرة ضد الشعب، أصبح وجوده في المشهد السياسي والعسكري عائقًا جوهريًا أمام أي تحول مدني حقيقي، وما صدر عنه أخيرًا ليس إلا محاولة لإعادة إنتاج منطق الهيمنة وتصفية الحسابات داخل المؤسسة العسكرية، في ظل تصاعد التوتر مع الحركات المسلحة المتحالفة معه، وتراجع ميداني في مناطق حيوية مثل كردفان ودارفور”.
وأوضح أن “طبيعة هذه القرارات وتوقيتها توحي بأنها لا تصدر عن قائد جيش وطني، بل عن رئيس لتنظيم ظلامي يتخفى خلف عباءة الإسلام، ويستخدم مؤسسات الدولة كأدوات لإعادة تمكين الحركة الإسلاموية التي دمّرت السودان لعقود. فالمشهد لا يعكس عقلية إصلاح، بل ذهنية انتقام واستعادة للسلطة المطلقة”.
أزمة بنيوية
وأشار الزين إلى أن “الأزمة السودانية ليست إدارية أو تقنية، بل أزمة بنيوية عميقة، تتجلى في الانقسامات الاجتماعية التي غذّتها النخب العسكرية والطائفية، وفي غياب العقد الاجتماعي الذي يحدد شكل الدولة ويضمن التوافق، وفي احتكار السلطة من قبل العسكر والإسلامويين الذين عطّلوا كل مشروع مدني، وفي ثقافة سياسية تقوم على الطاعة وتجرّم المعارضة، فضلًا عن ظواهر اجتماعية مدمّرة كالعنف السياسي والفساد والنزوح الجماعي”.
وبيّن أن “هذه الأزمات مرتبطة مباشرة بسياسات البرهان وتحالفاته وانقلابه على الثورة. لذا، فإن أي قرار لا يُقصيه من المشهد ولا يُعيد السلطة إلى المدنيين هو مجرد إعادة تدوير للأزمة لا حل لها”.
واختتم حديثه بالقول إن “الشعب السوداني لا يحتاج إلى تغييرات شكلية في قيادة الجيش، بل إلى تفكيك منظومة الاستبداد وبناء دولة مدنية ديمقراطية تقوم على المواطنة والعدالة، والشرط الأول لذلك هو غياب البرهان، لا إعادة تموضعه”.
أخبار ذات علاقة
السودان.. “الدعم السريع” تسيطر على مناطق جديدة بولاية كردفان
خطوة إجبارية
من جانبه، استبعد الباحث السياسي شهاب سعيد أن “يكون البرهان قادرًا على فرض خضوع جميع الميليشيات التي تقاتل مع الجيش لقانون القوات المسلحة”.
وقال سعيد إن “الإسلاميين هم من دفعوه إلى خوض هذه الحرب، وإنه بعد أن شكّلوا هذا العدد الكبير من المجموعات الإسلامية واستعانوا بمقاتلين من مختلف دول العالم لتدريبها داخل الأراضي السودانية، لم يعد قادرًا على السيطرة عليهم”.
وأضاف أن “الدعم السريع، على سبيل المثال، كان حتى قبل الحرب خاضعًا لقانون القوات المسلحة.
وأشار سعيد، إلى أن “القرار الأخير يُقرأ مقترنًا بقراره الآخر بإعفاء عدد من قيادات القوات المسلحة المنتمين إلى الدفعة 40 بالكلية الحربية، المعروفة بولائها للإسلاميين”.
وأوضح أن “هذين القرارين أراد بهما البرهان إرسال رسالة للمجتمعين الدولي والإقليمي مفادها أن جميع الميليشيات، بما فيها الإسلاميون، خاضعة لسيطرته، وذلك في إطار اعتقاده أن هذه الخطوة قد تحمي المجموعات الإسلامية المتطرفة من العقوبات الدولية والتصنيف كجماعات إرهابية”.
ولفت سعيد إلى أن “البرهان يحاول الإيحاء أيضًا بأنه تخلّص من المجموعات الإسلامية داخل القوات المسلحة، وهو ما كان قد اشترطه حميدتي في مفاوضات المنامة قبل أن يتراجع البرهان عنه لاحقًا”.
