مكاسب الدعم السريع في الفاشر تغيّر معادلة الحرب في السودان
في تطور ميداني لافت قد يعيد رسم خريطة الصراع في السودان، أعلنت قوات الدعم السريع، اليوم الأحد، سيطرتها على مقر قيادة الجيش السوداني في مدينة الفاشر، آخر معقل استراتيجي للجيش في إقليم دارفور غرب البلاد.
ورغم أن الجيش لم يصدر حتى الآن بيانًا رسميًا يؤكد أو ينفي هذه المعلومات، فإن المؤشرات الميدانية والتقارير المحلية والدولية تشير إلى تقدم واضح لقوات الدعم السريع في محيط المدينة التي تخضع لحصار خانق منذ أكثر من عام ونصف.
وظلت الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، محاصرة طيلة 18 شهرًا من قبل قوات الدعم السريع، التي تبادلت السيطرة على محاورها مع الجيش السوداني وحلفائه من المتمردين السابقين والمقاتلين المحليين.
وخلال هذا الحصار، تدهورت الأوضاع الإنسانية بشدة، إذ يعاني نحو 250 ألف مدني من نقص حاد في الغذاء والدواء، وسط تحذيرات أممية من مجاعة واسعة النطاق.
ونفت قوات الدعم السريع مرارا ما نسب اليها من اتهامات حول ارتكاب انتهاكات خطيرة ضد المدنيين شملت عمليات قصف واستهداف بالطائرات المسيّرة، واعتداءات جنسية ونهب وقتل على الطرق المؤدية إلى المدينة، مشيرة على أنه ان وجدت بعض الانتهاكات فإنها أعمال معزولة.
ويُنظر إلى السيطرة على الفاشر، في حال تأكدت فعليًا، بوصفها تحولًا استراتيجيًا في ميزان القوة داخل السودان، إذ تمثل المدينة مركز الثقل العسكري والإداري الأخير للجيش في غرب البلاد.
ومن شأن هذا التطور أن يعزز النفوذ الإقليمي لقوات الدعم السريع، التي باتت تتحكم فعليًا بمعظم أراضي دارفور، ما يتيح لها إنشاء بنية سلطة موازية تسعى لترسيخها منذ إعلانها تشكيل “حكومة مدنية” في الإقليم خلال الصيف الماضي.
ويرى مراقبون أن هذه السيطرة تحمل انعكاسات سياسية عميقة، إذ قد تُمهّد لتقسيم فعلي للبلاد بين شرق خاضع نسبيًا لسلطة الجيش وغرب تهيمن عليه قوات الدعم السريع، في ظل غياب أفق تفاوضي حقيقي واشتداد الصراع على الموارد والنفوذ.
ويُخشى أن تفتح سيطرة الدعم السريع على الفاشر الباب أمام موجة جديدة من العنف العرقي، شبيهة بما شهدته مناطق أخرى في دارفور خلال السنوات الماضية، لا سيما بعد التقارير التي وثّقت انتهاكات جسيمة بحق السكان في مخيم زمزم ومناطق جنوب المدينة.
وقد حذّرت الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية من أن انهيار الدفاعات في الفاشر سيؤدي إلى كارثة إنسانية، نظرًا لاختلاط المقاتلين بالسكان المدنيين داخل المدينة.
حرب بلا منتصر واضح
وعلى الصعيد العسكري، يُظهر التقدم الميداني الأخير أن الجيش السوداني يواجه تحديات متزايدة في الحفاظ على خطوط إمداده في غرب البلاد، في ظل التفوق الحركي لقوات الدعم السريع واعتمادها على أسلوب “الحرب المتنقلة” والهجمات بالطائرات المسيّرة.
غير أن السيطرة على مناطق واسعة لا تعني بالضرورة قدرة الدعم السريع على تثبيت سلطة مستقرة، إذ تواجه هي الأخرى أزمة شرعية سياسية وعزلة دولية بسبب ما نسب اليها من اتهامات بارتكاب انتهاكات.
تكشف معركة الفاشر عن نقطة تحوّل حساسة في الصراع السوداني الممتد منذ أبريل 2023، إذ تمثل اختبارًا لمدى قدرة الأطراف المتحاربة على الاستمرار في المواجهة دون انهيار شامل للدولة.
وفي غياب مسار سياسي جدي، يبدو أن الحرب في السودان تدخل مرحلة أكثر تعقيدًا، تتقاطع فيها الحسابات العسكرية مع رهانات النفوذ الإقليمي، في سباق محموم على الجغرافيا والشرعية قد يرسم مستقبل البلاد لعقود قادمة.




