مصر وعرقلة مساعي الرباعية: رهانات العسكر في السودان على حساب الاستقرار الإقليمي

في خطوة تعكس تعقيدات المشهد السوداني وتشظّي الرؤى الإقليمية والدولية حول سبل الخروج من الأزمة، أُلغيت قمة رباعية كانت مقررة نهاية الشهر الجاري. كان يفترض أن تجمع الولايات المتحدة بمصر والسعودية والإمارات. لبحث سبل إنهاء الحرب المحتدمة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. الإلغاء جاء على خلفية موقف مصري متشدد رفض مقترحًا أمريكيًا يقضي بإطلاق مرحلة انتقالية سياسية مدنية تُستثنى منها أطراف النزاع المسلح، في محاولة لصياغة حل جديد تقوده شخصيات مدنية محايدة برعاية دولية.
-
مصر تحمّل المجتمع الدولي مسؤولية تدفق اللاجئين نحو وجهات بديلة
-
القنصلية السودانية بأسوان تعلن: أكثر من 223 ألف عائد من مصر منذ بداية العام
الاعتراض المصري، الذي وُصف دبلوماسيًا بـ”الحازم”. لا يمكن قراءته بمعزل عن علاقات القاهرة الوثيقة مع القيادة العسكرية السودانية. فمصر، التي ترى في الجيش السوداني حليفًا استراتيجيًا وضامنًا أساسيًا لأمنها القومي، ترفض أي سيناريو من شأنه إضعاف النفوذ العسكري في السودان. ولو كان ذلك في إطار تسوية سياسية تنشد إنهاء الحرب. هذا الموقف، وإن بدا منطقيًا من زاوية حسابات القاهرة الإقليمية، إلا أنه يضع مصر في مواجهة مباشرة مع جهود التسوية التي باتت ضرورة ملحّة، لا خيارًا.
التحفظ المصري لم يحظَ بإجماع داخل الرباعية. حيث أبدت كل من السعودية والإمارات مرونة نسبية في التعاطي مع المقترح الأمريكي، بل وأبدتا استعدادًا لمناقشته. وهو ما يعكس تباينًا في المقاربات داخل التكتل الرباعي. ويؤشر إلى تحوّل في أولويات بعض العواصم الخليجية التي باتت ترى في استمرار الحرب تهديدًا مباشرًا لمصالحها الاستثمارية والسياسية في السودان.
ومع سقوط هذا المسار الرباعي، تتبدد آمال كانت معقودة على توافق دولي-إقليمي. يمكن أن يُنتج خارطة طريق قابلة للتطبيق، بعيدًا عن إملاءات السلاح ومنطق السيطرة. فرفض القاهرة المقترح لا يُعطل فقط المسار السياسي. بل يشرعن ضمنيًا استمرار الحرب باعتبارها خيارًا تفاوضيًا مشروعًا.
الأزمة تكشف كذلك حدود الرؤية الغربية تجاه الأزمات الأفريقية. فالولايات المتحدة، رغم نفوذها، لم تنجح في توحيد حلفائها التقليديين حول مقاربة متماسكة للأزمة السودانية. هذا التناقض يعيد إلى الواجهة إشكالية الغرب في التعامل مع مخرجات الانقلابات العسكرية. ويطرح تساؤلات جدية حول مدى جدوى تدخله إذا كان عاجزًا عن فرض إرادة سياسية موحدة حتى في أضيق الأطر التفاوضية.
-
أزمة إنسانية في مصر.. نقص التمويل يفاقم معاناة السودانيين الفارين من الحرب
-
ملف إعادة الإعمار.. هل تسعى مصر لنصيبها عبر تعزيز علاقتها بالسودان؟
ما تسعى إليه مصر هو إبقاء الجيش في واجهة السلطة في السودان. ليس من باب المصلحة السودانية، بل من منطلق حسابات أمنية تخص القاهرة.بدءًا من ملف سد النهضة، وصولًا إلى التخوفات من تغلغل قوى سياسية تُصنّفها القاهرة بالعدائية. لكن، ومع تعقّد الأزمة، يبدو أن هذا الرهان قصير الأمد. وقد يرتد عكسيًا إذا ما استمر السودان في مسار التفكك والفوضى.
الاستنتاج الأساسي أن مصر، بإصرارها على دعم الحكم العسكري. قد تكون جزءًا من إدامة الأزمة، لا من حلها والنتيجة: انسداد سياسي. تزايد الكلفة الإنسانية، وتعطيل أي أفق واقعي لمرحلة انتقالية جامعة. على القاهرة أن تعيد النظر في مقاربتها للسودان. وأن تتخلى عن معادلة “الاستقرار بالقوة”، قبل أن تجد نفسها أمام حدود ملتهبة وكيان جار يتفكك على وقع حسابات غير محسوبة.
-
جهود مصرية للمشاركة في إعادة بناء السودان بعد الصراع
-
استغاثة من المعدنين السودانيين.. اتهامات للجيش المصري بالتوغل وسقوط ضحايا
