
في خضم الجهود الدولية المتعثرة لإنهاء الكارثة السودانية، شكل إلغاء قمة واشنطن الرباعية . التي كانت ستجمع الولايات المتحدة، مصر، السعودية، والإمارات علامة فارقة على حجم التباينات الإقليمية والدولية تجاه مستقبل السودان. القمة التي كانت مرشحة لأن تُحدث اختراقاً حقيقياً في المسار السياسي، سقطت في اللحظة الأخيرة. بعد اعتراض مصري قاطع على مقترح يقضي بإطلاق مرحلة انتقالية مدنية تُقصى منها الأطراف العسكرية المتحاربة.
-
مصر تُفشِل قمة الرباعية بشأن السودان.. دعم العسكر يُعطّل مسار التسوية
-
مصر وعرقلة مساعي الرباعية: رهانات العسكر في السودان على حساب الاستقرار الإقليمي
الاعتراض المصري لم يكن مفاجئاً للمراقبين، بقدر ما كان مؤشراً على ثبات القاهرة على مقاربة تقليدية تُراهن على العسكر كأداة لضبط الاستقرار وضمان المصالح. فمصر، التي ترتبط بتحالفات عضوية مع المؤسسة العسكرية السودانية. لا ترى في استبعاد الجيش من العملية السياسية سوى تهديد مباشر لنفوذها الجيوسياسي في الخرطوم. وخطراً استراتيجياً على عمقها الأمني في حوض النيل.
وإذا كانت واشنطن قد أرادت من القمة الدفع نحو تصور مختلف يُراهن على قوى مدنية محايدة تقود مرحلة انتقالية خالية من البنادق .فإن مصر رأت في ذلك تجريدًا لحلفائها العسكريين من المشروعية، وانحيازاً مبطناً لقوات الدعم السريع. هذه الرؤية المصرية، وإن كانت مبررة من زاوية المصالح الوطنية الضيقة. فإنها تضع علامات استفهام كبرى حول دور القاهرة كفاعل إقليمي مسؤول في مسألة بالغة الحساسية كالحرب السودانية.
-
لا خيار سوى العودة.. اللاجئون السودانيون بين ضيق المعيشة في مصر وخطر الخرطوم
-
الكارثة الإنسانية تتفاقم.. مصرع 17 نازحاً عطشاً في صحراء دارفور
اللافت أن السعودية والإمارات لم تُعارضا الطرح الأمريكي. بل أبدتا انفتاحاً على نقاشه – حتى وإن تباينت حساباتهما مع واشنطن في تفاصيله. لكن الموقف المصري جاء حاسماً لدرجة دفعته إلى إفشال الاجتماع برمته، ليبرز “الفيتو غير المعلن” كعنصر حاسم في تعقيد الأزمة السودانية، لا حلها.
وهنا تبرز مفارقة صارخة: في الوقت الذي تغرق فيه البلاد في أتون حرب أهلية مدمرة، تعجز القوى الإقليمية والدولية عن تجاوز خلافاتها، لتصبح التسويات الممكنة رهينة أجندات متضاربة. القاهرة، بموقفها هذا، لا تُعرقل فقط جهود التسوية. بل تُرسل أيضاً رسالة مفادها أن استقرار السودان يمر حصراً عبر البوابة العسكرية، حتى لو كان ثمن ذلك المزيد من الدماء والدمار.
-
دعوة إثيوبية لمصر والسودان للمشاركة في مراسم افتتاح سد النهضة
-
الدعم السريع تسعى لتقريب المسافات مع مصر بعد شهور من الفتور
إن فشل قمة واشنطن الرباعية لا يعكس فقط انقسامات داخلية بين أطراف الرباعية. بل يكشف عجز المنظومة الدولية عن صياغة سياسة متماسكة تجاه ما بعد الانقلابات العسكرية في أفريقيا. فبينما تدفع واشنطن باتجاه مقاربة مدنية تُحيّد السلاح من السياسة. تصرّ قوى إقليمية أخرى على رؤية الانقلابات كأمر واقع لا مناص من التعايش معه.
في النهاية، لم يكن السودان في حاجة إلى فشل آخر، ولا إلى قمة ملغاة. كان يحتاج إلى توافق شجاع، يتجاوز الحسابات الضيقة نحو رؤية إنقاذ وطن ينهار. لكن طالما ظل مصيره مرتهناً للفيتوهات الإقليمية والمصالح المتقاطعة، فإن شبح الحرب سيبقى سيد الموقف. وتبقى فرص السلام مؤجلة إلى إشعار آخر.