مصرع أنس فيصل في “أم سيالا”: ضربة مؤلمة للحركة الإسلامية ومؤشر على تصدع تحالفات الحرب في السودان

في تطور لافت ضمن فصول الصراع السوداني المستمر، لقي القيادي الإخواني الشاب أنس فيصل مصرعه في المعارك العنيفة التي شهدتها منطقة “أم سيالا” بشمال كردفان. ويُعد أنس من أبرز قادة “كتائب البراء” الموالية للحركة الإسلامية السودانية، ومن الشخصيات التي برزت في الأعوام الأخيرة كصوت شبابي متشدد داخل تنظيم الإخوان في السودان.
اللافت في هذا الحادث ليس فقط ارتباط أنس الوثيق بالحركة الإسلامية، بل أيضًا انحداره من أسرة القيادي الإخواني البارز علي كرتي، الذي يُعتبر أحد أبرز الوجوه المحورية في مشروع التمكين الإسلامي الذي حكم السودان لثلاثة عقود. بهذا المعنى، فإن مقتله لا يحمل فقط بعدًا عسكريًا ميدانيًا، بل يتجاوز ذلك إلى ضربة رمزية وتنظيمية لقيادة الإخوان التي سعت خلال الحرب الجارية لإعادة إنتاج نفوذها من خلال واجهات قتالية مثل “كتائب البراء”.
شاب متشدد في مشهد معقّد
منذ سنوات، لمع اسم أنس فيصل داخل الدوائر الإخوانية كأحد عناصر “الجيل الثاني” من القيادات، ممن تلقوا تربية أيديولوجية صارمة، وشاركوا مبكرًا في أنشطة تأطيرية وتعبوية ذات طابع أمني وعسكري. وقد وجد في الحرب الحالية، التي اندلعت بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بيئة خصبة لإبراز أفكاره المتشددة، حيث التحق بكتائب البراء التي تنشط في جبهات القتال دعما للجيش، وتحت مظلة أوسع لتحالف عسكري ـ ديني تسعى الحركة الإسلامية لتوظيفه لصالح عودتها إلى المشهد.
غير أن مقتله في أم سيالا يطرح أسئلة جوهرية حول مدى قدرة هذه الكتائب على الاستمرار في ظل الخسائر النوعية التي تتعرض لها. فأنس لم يكن مجرد مقاتل؛ بل يمثل جسرًا تنظيميًا يربط بين الجيل القديم من الإسلاميين ووجوههم الشابة، وكان يُعوّل عليه في رسم معالم المرحلة المقبلة.
التصدع داخل بنية الحركة الإسلامية
تأتي هذه الخسارة في وقت تشهد فيه الحركة الإسلامية السودانية تحديات غير مسبوقة على الصعيدين السياسي والعسكري. فمن جهة، تواجه اتهامات داخلية وخارجية بتغذية الحرب ودفع الجيش نحو خيارات صفرية بدافع الثأر من مرحلة ما بعد الثورة. ومن جهة أخرى، تتعرّض كوادرها الميدانية للاستنزاف في جبهات معقدة، مثل كردفان ودارفور، وسط تململ حتى في أوساط بعض حلفائها داخل الجيش.
وهو ما يجعل مقتل أنس فيصل ـ رغم رمزيته ـ مجرد حلقة في مسلسل تصدع أكبر داخل منظومة الإسلاميين الذين يعانون من عجز واضح في تجديد أدواتهم أو تقديم خطاب قادر على كسب تأييد أوسع داخل الشارع السوداني، الذي لا يزال يتذكر ممارسات النظام السابق وما خلفه من تدهور اقتصادي وسياسي حاد.
هل تستفيق الحركة من صدمة الفقد؟
إن موت أنس فيصل في خضم المعركة قد يدفع بقيادة الحركة الإسلامية إلى إعادة تقييم دورها ضمن تحالف الحرب الحالي، أو العكس تمامًا، إلى المزيد من الانغلاق والتشدد دفاعًا عن نفوذها الآخذ في التآكل. وفي الحالتين، فإن السودان يدفع كلفة عالية لصراع باتت أطرافه أكثر تقوقعًا على الهويات الأيديولوجية القديمة، في وقت يطالب فيه الشارع بحلول تضع الإنسان أولًا، قبل كل الحسابات الفصائلية.
