أحداث

مدينة كادوقلي تحاصرها النزاعات.. الطعام يتحول إلى سلعة نادرة مقابل السلاح


منذ اندلاع الحرب السودانية في 15 أبريل 2023، ظلت مدينة كادوقلي، عاصمة ولاية جنوب كردفان، تحت سيطرة الجيش السوداني، لكنها في الواقع تعيش كأنها مدينة محاصرة من عدو خارجي.

فالسيطرة العسكرية لم تمنحها الأمن، بل أحكمت الخناق على سكانها حتى أصبح الحصول على الغذاء والدواء مرهونًا برفع السلاح أو الخضوع لمصالح المركز.

هل أصبح رفع السلاح هو الطريق الوحيد للبقاء على قيد الحياة؟ وهل يستحق المواطن أن يُعاقب لأنه رفض أن يكون وقودًا لحرب لا ناقة له فيها ولا جمل؟

في كادوقلي اليوم، لا يمكنك أن تأكل أو تُعالج إلا إذا كنت تحمل سلاحًا، أو مستعدًا للقتال دفاعًا عن مصالح “دولة 56” – المصطلح الشعبي الذي يُطلق على المركز الحاكم في الخرطوم، والذي طالما صنّف أبناء كادوقلي ومناطق الهامش الأخرى كـ”متمردين”.

إغاثات مخزّنة.. وشعب يتضوّر جوعًا

رغم أن المدينة لا تزال تحت سلطة الجيش، فإن الإمدادات الإنسانية التي تدخل كادوقلي لا تصل إلى المواطنين. بحسب مصادر محلية، تُخزّن كافة الإغاثات التي وصلت خلال السنتين الماضيتين، بإشراف والي الولاية، داخل مخازن الفرقة 14 مشاة، بدلًا من توزيعها على المحتاجين.

النتيجة؟ ارتفاع جنوني في الأسعار، اختفاء السلع الأساسية، انعدام الأدوية المنقذة للحياة، وانفجار معاناة إنسانية وسط تجاهل رسمي متعمد.

صوت الجوع ينتفض.. والرد العسكري جاهز

ورغم القمع، لم يصمت سكان كادوقلي. فقد نظموا حراكًا مدنيًا نادرًا في ظل الوضع الأمني الهش، مطالبين بإطلاق الإغاثات المخزنة. لكن الوالي، وبدلًا من الاستجابة، أرسل قوات من “العساكر الشبعانين من المعونات”، لقمع المواطنين “الجعانين”، على حد وصف أحد الشهود.

القوات استخدمت القوة المفرطة، والغاز المسيل للدموع، وشنّت حملة اعتقالات شملت حتى الأطفال. من بين المعتقلين، الطالبة إيثار أسامة، التي لم تتجاوز الـ18 عامًا، وكانت جريمتها أنها قالت بوضوح: “الإغاثة للمواطنين، ما للعساكر.. والعسكري المفروض الدولة تأكله.”

كباشي.. وصمت أبناء المدينة في السلطة

ما يزيد من مرارة المشهد، أن هذه المأساة تحدث في ولاية ينتمي إليها عدد من المسؤولين الكبار في الدولة، أبرزهم الفريق شمس الدين كباشي، والوالي الحالي، الذين فضّلوا تنفيذ أوامر المركز، حتى لو كانت تعني حرمان أهلهم من الغذاء، وتركهم فريسة للجوع والإذلال.

السؤال الذي يطرحه أبناء كادوقلي اليوم بمرارة: هل أصبح رفع السلاح هو الطريق الوحيد للبقاء على قيد الحياة؟ وهل يستحق المواطن أن يُعاقب لأنه رفض أن يكون وقودًا لحرب لا ناقة له فيها ولا جمل؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى