تسريبات

مأساة دارفور: البرد والجوع يحصد أرواح الأطفال والحوامل وكبار السن


التصق جلد الطفلة فاطمة، التي تبلغ من العمر 3 سنوات، بعظامها النحيلة بسبب الجوع الشديد، بينما كانت أمها حواء، التي تعاني من الجوع أيضاً، تنتظر بقلق الحصول على كمية قليلة من الطعام تقدمه الجمعيات المحلية المعروفة باسم “التكايا”.

وتقول: “كانت ابنتي مرحة وتضحك، تلعب بنشاط مع أقرانها، لكنها الآن لا تستطيع التحرك من شدة الجوع”، وتضيف: “لا يوجد لدينا طعام، وإذا حصلنا على وجبة واحدة فقط سنكون في غاية السعادة، لقد فقدنا كل شيء بسبب الحرب.” بالإضافة إلى معاناة الجوع، يعيش سكان باقون في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، في ظل الموت الذي يكتنفهم من كل الجهات، بينما فرّ عدد كبير منهم إلى معسكرات النزوح.

ومع ذلك، لا يزال الموت جراء القذائف والجوع يطاردهم هناك أيضاً. وقد صرح الناطق باسم “منسقية النازحين واللاجئين في دارفور”، آدم رجال، في حديثه لـ”الشرق الأوسط”، بأن أوضاع الناس في معسكرات النزوح في دارفور تعتبر كارثية للغاية، حيث أن أولئك الذين نجاوا من الرصاص والقذائف “يموتون جوعاً بسبب سوء التغذية والبرد والأمراض”.

رجل الذي استمر في الدفاع عن قضايا النازحين منذ بداية حرب دارفور الأولى في 2003، دعا الجيش و”قوات الدعم السريع” إلى وقف الحرب التي أودت بحياة أكثر من 7 آلاف شخص في مخيمات النازحين بدارفور، حيث تضاعفت أعدادهم. فبعد أن كانوا حوالي 3 ملايين نازح قبل اندلاع الحرب، أصبح عددهم الآن أكثر من 6 ملايين، يعيشون في 171 مخيماً، 70% منهم من النساء والأطفال. في تصويره للمأساة، وصف رُجال معاناة الحرب التي ازدادت سوءًا مع دخول فصل الشتاء والبرد الشديد، قائلاً: “في هذه الأيام، يموت الأطفال من البرد”. ويواصل حديثه: “أجبر القصف المدفعي من قوات الدعم السريع وطائرات الجيش في الفاشر، سكان المدينة على مغادرتها. وبعد أيام، وصلوا إلى مناطق في جبل مرة، وهي أماكن آمنة، لكن تفتقر إلى مقومات الحياة”.

وأضاف: “إن المئات الذين فروا بأرواحهم وأجسادهم إلى هناك يعيشون في العراء وتحت الأشجار، في انتظار المساعدات الإنسانية والخيام التي تحميهم من برد دارفور القارس… إن رؤية الأطفال الذين يبحثون عن الدفء يدمي القلوب، وكذلك حال كبار السن.” ويقول: “بالإضافة إلى الجوع والبرد الشديد، فإن الأمراض والالتهابات الناتجة عن البرد تؤدي إلى زيادة الوفيات بين الأطفال وكبار السن والنساء الحوامل”. وأكد أن “الناس بحاجة ماسة إلى المأوى والغذاء والدواء”. الأحد الماضي، أكدت الحكومة عدم وجود مجاعة في البلاد، ووصفت تقرير “التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي” الذي أعلن عن دخول 5 مناطق جديدة في دارفور مرحلة الجوع بأنه “غير محايد”، وأنه يساهم في إطالة أمد الصراع. وذلك جاء بعد أيام من إعلانها عن تعليق مشاركتها في “المرصد الأممي للجوع”، والذي يتابع مستويات الجوع في مختلف أنحاء العالم. منذ أبريل 2024، تحاصر “قوات الدعم السريع” مدينة الفاشر، التي تُعتبر المنطقة الوحيدة المتبقية في إقليم دارفور تحت سيطرة الجيش. ويستمر سكان المدينة في مواجهة الحصار، بالإضافة إلى القذائف وقصف الطائرات الحكومية، مما أدى إلى نقص حاد في الغذاء والدواء.

تدخل مجلس الأمن الدولي وطالب قوات “الدعم السريع” برفع الحصار عن المدينة وإيقاف القتال لحماية المدنيين، لكن دون جدوى، في الوقت الذي تتفاقم فيه المأساة الإنسانية داخل المدينة وفي مخيمات النازحين المحيطة بها. يضطر “الجوعى” في مخيمات النزوح إلى تناول أعلاف الحيوانات وأوراق الأشجار من أجل البقاء على قيد الحياة. وأشار رُجال إلى أن المساعدات الإنسانية التي تصل إلى هؤلاء النازحين قليلة مقارنة بأعدادهم، مطالبًا بزيادة الدعم الإنساني لهم. وأوضح قائلاً: “بعض الشاحنات التي تدخل الإقليم يتم اعتراضها من قبل (قوات الدعم السريع) ومجموعات مسلحة أخرى، ويُستولى على 60 بالمائة من المواد الإغاثية التي تصل إلى بعض المناطق”. يتعرض مخيم أبو شوك، الذي يكتظ بالنازحين قرب مدينة الفاشر، لقصف مكثف أدى إلى مقتل المئات.

وتدعي قوات الدعم أن القوات الموالية للحكومة تستخدم النازحين كدروع بشرية، بينما يؤكد الجيش والقوات المشتركة أن الدعم السريع يستهدف المدنيين. وانتقد الرجال ما أسماه “صمت العالم” إزاء إدانة القصف، مشيرين إلى التركيز على مخيم واحد من مخيمات النازحين وهو مخيم زمزم، مع تجاهل مخيم أبو شوك الذي يضم 200 ألف شخص، من بينهم بعض من فرّوا إلى منطقة طويلة. وقال: “الأوضاع الصحية في أبو شوك باتت أكثر خطورة، بعد قصف المركز الصحي الوحيد الذي يعمل في المخيم”. بالإضافة إلى الجوع والبرد والقصف، أشار رُجال إلى أن “الأمراض المتوطنة مثل الملاريا تضر النازحين بشدة، مما يؤدي إلى وفيات بين الأطفال وكبار السن والنساء الحوامل، فضلاً عن الأمراض المزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري، حيث لا تتوفر الأدوية في مخيمات النزوح.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى