قوى مدنية سودانية تدعو لتشكيل حكومة منفى وتطالب بظهورها علنًا
يتصاعد الحديث في السودان عن حكومة منفى في ظل التوترات الحاصلة في البلاد واستمرار الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع دون الوصول لنهاية النفق مع الجمود السياسي.
ومن الهمس في الأروقة المغلقة تحول الحديث في السودان عن تشكيل حكومة منفى أو حكومة موازية إلى المجاهرة في العلن، حيث طرقت عليه بشدة قوة مدنية خلال الأيام القليلة الماضية.
ويدور الحديث عن تشكيل حكومة بعيدا عن الحكومة الحالية بقيادة مجلس السيادة الانتقالي الذي يدير شؤون البلاد، بعد مرور 20 شهرا على اندلاع الحرب بين الجيش السوداني و”قوات الدعم السريع” شبه العسكرية.
فمنذ أبريل/نيسان 2023 يخوض الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان و”قوات الدعم السريع” بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي” حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل، وما يزيد على 14 مليون نازح ولاجئ، وفق تقديرات الأمم المتحدة والسلطات المحلية.
-
التحالفات المدنية السودانية: سعي نحو الديمقراطية في ظل الأزمات السياسية
-
أبو الغيط في بورتسودان: دور الجامعة العربية في حل الأزمة السودانية
وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب، بما يجنب السودان كارثة إنسانية بدأت تدفع ملايين إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 13 ولاية من أصل 18.
وأثار مقترح تشكيل حكومة منفى أو حكومة موازية قلقا وجدلا واسعا، عقب طرحه خلال اجتماعات الهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم”، برئاسة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، في أوغندا بين 3 و6 ديسمبر/كانون الجاري.
وأحال التحالف، خلال اجتماعاته، قضايا العملية السياسية، وبينها “نزع الشرعية من الحكومة السودانية وتكوين حكومة منفى”، إلى آلية سياسية جديدة، لإجراء مزيد من الدراسة إثر اختلافات بين مكونات “تقدم”.
ورغم استمرار التناول المكثف لمسألة تشكيل حكومة منفى، إلا أن السلطات السودانية تلتزم الصمت ولم تصدر أي تعليق بشأنها.
-
الدعم السريع يشكل “إدارة مدنية” في الخرطوم: سلطة موازية أم محاولة لملء الفراغ؟
-
السودان: قوى مدنية موسعة تعتمد وثيقة لوقف الحرب وتوحيد الجيش
وقال حمدوك الجمعة إن “قضايا الجبهة المدنية والعملية السياسية ونزع الشرعية أُحيلت إلى الآلية السياسية المختصة، مع التركيز على التشاور الواسع بين مكونات التحالف لتطوير رؤية موحدة تلبي طموحات الشعب السوداني”.
و”تقدم” تضم أحزابا ومنظمات مدنية، أبرزها أحزاب قوى إعلان الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم سابقا)، وتكونت بعد اندلاع الحرب بهدف توحيد المدنيين للعمل على إنهائها.
وقالت في البيان الختامي لاجتماعاتها “اندلعت حرب 15 أبريل/نيسان 2023 لتفاقم أزمة الشرعية وتؤدي لانهيار الدولة، وسعت سلطة بورتسودان (الحكومة الحالية) للادعاء بأنها تمثل الشرعية، وهو ادعاء باطل لا سند دستوري ولا سياسي ولا شعبي له”.
-
الأزمة السودانية إلى التدويل.. ما السيناريوهات المحتملة؟
-
خطة الإخوان المسلمين في السودان: مخططات وأهداف خفية حسب تصريحات كاتبة سودانية
وتابعت أن الآلية السياسية لتقدم “ستعكف على مناقشة خياراته للحفاظ على وحدة السودان أرضا وشعبا وتحقيق السلام الدائم والشامل واستكمال ثورة ديسمبر المجيدة”، في إشارة إلى الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في 2019.
وبينما تحدث بعض قادة أحزاب “تقدم” عن تشكيل حكومة، أعلن حزب الأمة القومي – أكبر أحزاب التنسيقية – في 7 ديسمبر/كانون الاول الجاري رفضه تشكيل حكومة.
وأكد الحزب موقفه “الرافض لأي محاولات لتشكيل حكومة من أي طرف وفي أي مكان، ما يفتح الباب أمام سيناريوهات التقسيم ويزيد من الاستقطاب”.
حكومة المنفى تفتح الباب أمام سيناريوهات التقسيم وتزيد من الاستقطاب
وفي 21 أغسطس/آب 2019 بدأ السودان مرحلة انتقالية كان مقررا أن تنتهي بإجراء انتخابات بداية عام 2024، وأن يتقاسم الجيش السلطة مع القوى المدنية والحركات المسلحة التي وقّعت اتفاق السلام في جوبا عام 2020.
لكن في 25 أكتوبر/أكتوبر 2021، فرض البرهان قائد الجيش ومجلس السيادة إجراءات استثنائية، بينها حل مجلس الوزراء والسيادة الانتقاليين.
واعتبر منتقدون ما حدث “انقلابا عسكريا” على ثورة 2019، بينما رأى البرهان أنه “تصحيح لمسار المرحلة الانتقالية”، ووعد بإعادة السلطة إلى المدنيين عبر انتخابات أو توافق وطني، لكن هذا لم يحدث.
ومنذ الإطاحة بمجلس الوزراء برئاسة حمدوك، يقود السودان مجلس السيادة برئاسة البرهان.
ويدافع المطالبون بتشكيل حكومة منفى بأن الحكومة الحالية لا تسيطر على كل أجزاء البلاد، ما يمنح حكومة المنفى القدرة على إدارة الشؤون السياسية والخدمية في المناطق خارج سيطرة “حكومة بورتسودان” (الحالية).
إلا أن هذه الرؤية تجد معارضة من كثيرين، أبرزهم نقابة الصحفيين السودانيين، التي أعلنت في 11 ديسمبر/كانون الاول الجاري رفضها تشكيل حكومة منفى.
وقالت النقابة “شهدت الساحة السياسية في الأيام الماضية أصوات ودعوات إلى تشكيل حكومة، ونعتبر هذه الدعوات تهديدا خطيرا ومباشرا لوحدة البلاد وسيادتها، وتفتح الباب على مصراعيه أمام مخططات التقسيم”.
و”نرفض بشكل قاطع، وبأشد العبارات، هذه الدعوات التي تسعى إلى تمزيق نسيج الوطن تحت أي ذريعة كانت، ونؤكد أن وحدتنا الوطنية ليست محلا للمساومة أو العبث السياسي”، وفق البيان.
وتعدت مخاوف التقسيم النطاق المحلي، إذ حذر المبعوث الأميركي توم بيريليو من أن تشكيل مثل هذه الحكومة قد يؤدي إلى تقسيم السودان.
وأضاف بيريليو عبر منصة إكس في 7 ديسمبر/كانون الاول الجاري “الولايات المتحدة، تشعر بقلق عميق إزاء التقارير التي تتحدث عن قيام بعض الفصائل والأفراد السودانيين بالدعوة الي إعلان هياكل حكم جديدة من جانب واحد”.
وقال إن من شأن مثل هذا الإجراء أن يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة بشكل عميق وتفتيت السودان”.
وفي 2011 انفصل جنوب السودان عن شماله، وشكل دولة جنوب السودان، وذلك عبر استفتاء شعبي دعمته دول غربية، في مقدمتها الولايات المتحدة.
وعن حكومة المنفى المقترحة، قال وزير الإعلام السابق فيصل محمد صالح إن “مؤيدي الفكرة لم يستطيعوا أن يقدموا حيثيات مقنعة تجعلها مقبولة، كما أن مراجعة النتائج المتوقعة تجعل منها مغامرة قد تؤدي لنتائج كارثية”.
ورأى عبر فيسبوك، أن “أخطر هذه النتائج هو الإعلان الرسمي عن تقسيم البلاد، وهو شرٌّ يحاول العقلاء – قلوا أم كثروا – أن يجنبوه البلاد”.
ويسيطر الجيش والحكومة على 5 ولايات بالكامل من أصل 18، وهي نهر النيل والشمالية (شمال) والقضارف وكسلا والبحر الأحمر (شرق).
-
ما دلالات تشكيل “الدعم السريع” سلطة مدنية في دارفور؟
-
هل تعيد الضغوط الدولية قطار المفاوضات السودانية لمسارها؟
كما يسيطر بشكل شبه كامل على 3 ولايات هي سنار والنيل الأزرق (جنوب شرق) والنيل الأبيض (جنوب)، إلا من مناطق حدودية تشهد هجمات من “الدعم السريع“.
بينما تسيطر “الدعم السريع” على 4 ولايات في إقليم دارفور (غرب) هي شرق وغرب وجنوب ووسط، فيما تشهد ولاية شمال دارفور معارك بين الجيش وحلفائه من حركات الإقليم المسلحة في مواجهة “الدعم السريع“.
أما ولايات الخرطوم والجزيرة (وسط) وكردفان الثلاث (شمال وجنوب وغرب) فهي مناطق معارك شرسة ومستمرة بين الطرفين وتتفاوت بينهما نسبة السيطرة على مدنها وقراها.
ويرى المحلل السياسي عثمان فضل الله أن “المجموعة الداعية لتشكيل حكومة منفى ليس لديها أسباب منطقية” مضيفا “إنما يدفعها أمران، الأول ضغوط خارجية راغبة في جسم له قدر من الشرعية المبنية على ثورة ديسمبر، ولا يوجد في الساحة الآن جسم يمكن أن يتعامل مع المجتمع الدولي غير تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم)” .
أما “الدافع الثاني فهو رغبة قوات الدعم في كسب شرعية سياسية ولا يتأتى لها ذلك إلا بالضغط على تقدم للانجرار إلى حكومة محروسة ببندقيته”..
ويصف المحلل السياسي طارق عثمان “أي اتجاه لتكوين حكومة منفى أو حكومة موازية للحكومة الحالية” بأنه تلاعب بمستقبل السودان.
وينتقد عثمان “المقترح الذي تطرحه بعض المكونات المنضوية تحت تنسيقية تقدم وتروج له بكثافة” معتبرا أنه “محاولة للبحث عن شرعية لقوات الدعم السريع“.
ويتابع “الأصوات التي تسعى بكل جهدها هذه الأيام لها ارتباطات ما بالدعم السريع، لأن أي حكومة تُشكل في مناطق سيطرة الدعم ستكون محمية ببندقيته، ومَن يحميك لا يمكن أن تتجاوزه، فالقوة بيده”.
ويزيد بأن “تشكيل حكومة منفى أو حكومة في مناطق سيطرة الدعم السريع هو استنساخ لتجارب في دول مجاورة طالها التقسيم”.
ويختم بالتحذير من أن “هذه الخطوة في حال تمت فسيعني ذلك تقسيم البلاد وفرض أمر واقع من شأنه تعقيد أي مساع للحل التفاوضي”.